السنة 16 العدد 142
2021/04/01

ترجمة: الدكتور عبدالله بن سيف الغافري - وحدة بحوث الأفلاج

 

Jose Lucero، The River That Thirsts for Itself

The story was written by the organizers of the Rio Grande Cultural Water Conference، Santa Fe Indian School، New Mexico، 27-29 June، 2003.

 

صاح الطفل: جدتي! أحكي لي تلك القصة مرة أخرى. قصة النهر! أريد أن أفهم...

- عزيزي... حفيدي الصغير... أنا متعبة.

أرجوك جدتي؟

 

- قالت الجدة: حسنا... انزل معي إلى النهر وسوف أخبرك ما الذي يحدث للنهر وما الذي تستطيع صنعه لأجله... ربما سيستمع إليك البشر.

- قالت الجدة: كان يا ما كان، في قديم العصر والأوان... عندما كان البشر يستمعون للكبار ويقدرون قيمة النهر... كانت الحياة  تمر بشكل متوازن. هل تعلم أن الناس أتوا إلى النهر عطشى وجوعى بعد وقت طويل من الضياع في الصحراء وقدروا كرمه وشكروه. لكن منذ زمن غير بعيد، عندما ارتووا وشبعوا، نسوا كيف تكون الحياة من غيره. وتجمع أناس آخرون حوله ليتمتعوا بعطاياه، لكن لم يمضِ وقت طويل قبل أن ينسوا أيضا.

 

وهو يتبع طبيعته، استمر النهر في العطاء محاولا أن يعلم البشر إيقاع الماء في الصحراء، ونمى النهر في دوائر كبيرة متشابكة. بعض الأصياف يتحول إلى فيضان، فيهب الأرض تربة غنية وبيئات تنبض بالحياة والخصب. وفي أصياف أخرى يتحول إلى مجرى مائي نقي داخل حدود واديه، تاركا التربة الجديدة لتقوى وحدها. 

ترى ما الذي غير الأشياء اليوم؟ هو شيء واحد!

 

كرم النهر لم يتغير ولم تتغير طبيعته في العطاء بلا حدود. عندما يمنح الخضرة والتألق للصحراء، بصوته المائي الرخيم يدغدغ الحصى، أو يهمس بين الأعشاب والحقول أو يتنهد في البرك الهادئة. ولا يزال النهر يغني للسماوات طالبا المطر والبَرَد. 

 

المشكلة أن الإنسان قاطع صوت النهر وأضعفه، فالبشر يعتقدون أن النهر مجرد ماء لا أكثر، وافترضوا أن لهم الحق في استغلال هذا الماء متى وكيفما شاؤوا. نسوا حق النهر على نفسه! نسوا كم هو طيب ومعطاء معهم ومع الأرض عندما يكون في كامل حيويته في كل دورات حياته العظيمة وأمزجته المتقلبة.

 

للأسف الآن أصبح إيقاع صوت النهر عشوائيا، فقلما يرقص على موسيقى الماء، فبعض الأحيان يكون صوته باهتا لدرجة أن السماوات لا تسمع نداءه لترسل المطر. 

 

صمتت الجدة قليلا ثم أردفت: هل ترى يا بني... من غير النهر لا يستطيع المطر زيارتنا. السماء تبدأ دورة الماء العظيمة في العطاء من النهر للأرض ثم للسماء ثم مرة أخرى، ومنها للأرض ثم تعود بعدها للنهر. 

 

هل فهمت؟ النهر أكثر من مجرد ماء! إنه حلقة الوصل بين السماء والأرض. ومثلك، طفلي الصغير، للنهر مثل ما لك من أعضاء حية مخلوقة من النباتات والحيوانات. إنه مجتمع متكامل، يعيش ويتنفس مثلك تماما! جلده التربة ، مثل جلدك، جلد النهر يتنفس ويعرق ويغذي. رئتاه الأشجار والنباتات الأخرى، فهي تنظف الهواء من ثاني أكسيد الكربون وتعطينا الأكسجين بدلا منه. ودمه الماء يجري في قنواته، وكليتيه المستنقعات، جميعها تغذي وتنظف جسم الأرض.

 

الآن... النهر متعب وعطشان. صدقني يا ولدي، جدتك تعي جيدا ماذا يعني أن تكون متعبا وعطشانا! ببساطة لا تقوى على فعل شيء إذا لم يكن لديك ماء كاف. تنهدت الجدة بعمق، وانتظرت دقائق قليلة قبل أن تعاود الحديث. 

ولا يزال النهر يعطي ويعطي... وسيستمر في العطاء إلى آخر قطرة ماء.

 

بدأ الطفل في البكاء، ليس بسبب أن الناس ستعاني عندما يجف النهر، ليس لأن الحيوانات ستمرض أيضا وربما تموت آخذة دواءها معها. الطفل يبكي غالبا لأنه وعي جحود البشر، وأنهم لا يتذكرون كيف أن حياتهم كالجسد الواحد، كل جزء يعتمد على الآخر!

 

دون النهر، ستتوقف دورة عطاء الماء العظيمة.

 

قالت الجدة: صغيري... دموعك جيدة، إنها دموع بكاء النهر على نفسه. الآن أنت فهمت، إذا عليك أن تذكر الآخرين. ربما ستعتقد أنك لن تستطيع فعل الكثير، لكن النتيجة ستفاجئك!

 

كان الطفل خائفا من أن ينبس بشيء. ظل هكذا لفترة، مؤمنا أن الشخص يجب أن يعرف كثيرا قبل أن يحق له الكلام. بعدها، و في يوم من الأيام... أتت آلة ضخمة ومزعجة تقلع كل الأشجار من إحدى ضفاف النهر، وبدأت بردم المستنقعات. 

 

  • صرخ الطفل، لماذا تفعلون هذا؟

  • أتت الإجابة؛ لكي نصنع مساحة لمطعم جديد.

  • صرخ الطفل: ولكن ماذا عن النهر؟ النهر أكثر من مجرد ماء!

 

ومن تلك اللحظة لم يستطع الطفل الاستمرار في صمته. كأنما صوت النهر هو الذي ينطق تلك الكلمات: "ماذا عن النهر؟  ماذا عن النهر؟"

 

خرجت من شفاه الطفل صراخا وهمسا وأنينا، لكن لا حياة لمن تنادي. وأخيرا جلس الطفل بجانب جذع شجرة قطن قديمة ودموعه تنهمر دون توقف حتى أتى الليل وانقضى وبزغت الشمس بيوم جديد، ولا يزال الطفل في نواح مستمر. وصدفة، مر بجانبه شخص بالغ وسأله عن المشكلة. نظر الطفل إليه بيأس وبصوت أجش صرخ، وماذا عن النهر؟ في البداية لم يفهم البالغ المعنى، لكنه نظر حوله إلى موقع البناء ثم تدريجيا كبزوغ الشمس اتسعت حدقتا عينيه وقال: آه فهمت... ماذا عن النهر؟ ثم جلس بجانب الصبي على جذع الشجرة وبدأ بالبكاء. 

 

لا أحد يعلم كيف حدث ذلك...لكن في أثناء انقضاء النهار انضم إليهما خلق كثيرون. في كل مرة يحضر شخص ما، يأتي صوت باكٍ يقول... ماذا عن النهر؟ حتى أن بعض عمال البناء انضموا للحشد.

 

لا أحد يعلم... حتى الجدة... كيف ستنتهي هذه القصة؛ لأنها لا زالت تكتب. نحن نعلم أن صوتا صغيرا يخرج من القلب "ماذا عن النهر؟" أيقظ قلوبا أخرى... هذا يمكن أن يغير شيئا...

 

ونحن نقول: ماذا عن الفلج؟

إرسال تعليق عن هذه المقالة