د. رضية بنت سليمان الحبسية
أستاذ مساعد بقسم التربية والدراسات الإنسانية
كلية العلوم والآداب- جامعة نزوى
تشهدُ مؤسسات اليوم تنافسًا حادًا في عصر التقانة والمعلوماتية، وقد تزايد ذلك التنافس مع انطلاق الثورة الصناعية الرابعة، انعكس ذلك على أيديولوجياتها التخطيطية لعالم الغد؛ ولتتبوأ مكانةً متقدمةً في تحقيق اقتصاد معرفي عالي المستوى، على أيدي عناصر بشرية تمتلك أدوات عصرية؛ لتحقيق الميزة التنافسية، وفق مؤشرات التنمية المستدامة. ولعل أبرز تلك الأدوات، امتلاك كوادرها لمهارات المستقبل التي تمكّنهم من الإنتاج الإبداعي والابتكاري على اختلاف المهن والتخصصات.
إنّ الفجوة المهارية بين ما يمتلكه الأفراد بالأمس واليوم، وما يتطلبه العالم مستقبلًا، يُعدُّ مسوغًا منطقيًّا للحكومات للتنافس عالميًّا. والقاعدة الأساسية لبلوغ غاياتها وطموحاتها، مراجعتها لواقعها الحالي، وتبنيّ سياسات تخطيطية ذات رؤى مستقبلية، للوصول بها إلى مراتب الدول المتقدمة، وفق مؤشرات وطنية وعالميّة؛ للتقدم في أدائها الحكوميّ والمؤسسيّ.
لذا فإنّ العديد من الدول تحرص على انتهاج سياسات تطويرية أو علاجية، والبحث عن منهجيات واستراتيجيات؛ لسدّ الفجوة في المهارات على اختلاف المجالات؛ لضمان المشاركة المجتمعيّة،وتعزيز القدرة التنافسيّة بين القطاعات المختلفة في ظل التغيّرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتقنيّة، وتغيّر نوعية المهن والوظائف المستقبليّة المطلوبة في القرن 21، المرتبطة بمتطلبات سوق العمل المحليّة والعالميّة.
كما تسعى الدول على اختلاف جغرافيتها نحو معالجة قضايا المهارات المستقبليّة، من طريق تطوير تكنولوجيا التعاملات الرقميّة لدى العاملين في عصر التّحول الرقمي والأتمتة، والتركيز على إكساب مخرجات الأنظمة التعليميّة مهارات متعددة التّخصصات، والمرونة في استيعاب الجديد، وقدرة مواطنيها على التّكيّف مع التغيّر المتسارع في بيئات العمل ذات الاندماج الكوكبي.
وفي سلطنة عُمان، يأتي اعتماد وثيقة “الإطار الوطني العُماني لمهارات المستقبل"، إطاراً وطنيا موّحدا؛ لتمكين المؤسسات وقطاعات التّعليم النظامي والعالي من استيعاب مهارات المستقبل؛ لتنشئة أجيال وطنيّة مؤهلة بمهارات المستقبل؛ لتحقيق رؤية عُمان 2040 ومواكبة التغيّرات الإقليميّة والعالميّة.
وفي إطار تحقيق أهداف "الإطار الوطني العُماني لمهارات المستقبل"، والإسهامات المجتمعيّة في تحقيق رؤية عُمان 2040، وبلوغ مؤشر التنافسيّة العالميّة- ركيزة التنمية، والوصول بعُمان لتكون من بين أفضل 20 دولة عالميًّا، فإنه على الأنظمة التعليمية بمختلف اختصاصاتها الالتزام بالمعايير الوطنية والعالميّة التي حددتها الرؤية؛ لتحقيق أداء متوازن متوافق مع الهويّة الوطنيّة. وتعزيز الابتكار والإبداع والبحث العلميّ، وتبني ونشر ثقافة الجودة الشاملة القائمة على التقويم والتطوير والتحسين المستمر، ومناهج تعليمية تدعم تنوعًا في المسارات التعليميّة، مواكبةً لمتطلبات التنمية المستدامة؛ وذلك بدمج المفاهيم للمهارات المستقبلية ضمن المقررات الدراسية، وطرح مواد تعليمية للمهارات التكنولوجية أحد المساقات الجامعية، مع التركيز على المهارات التكنولوجية والمواطنة الرقمية.
وعلى مستوى مؤسسات التّعليم العالي بشكل خاص، إذ دورها الجوهريّ للإسهام في دفع حركة التنمية المجتمعيّة من طريق البحث العلميّ والابتكار، فإنه يمكن للجامعات أن تُنشئُ مراكزَ لأبحاث مهارات المستقبل؛ لتعزيز البحث العلميّ في المهارات المستقبليّة المنشودة، وبما يوفر فرصًا لتبادل المعارف والخبرات على مستوى المجتمع في مجال تكنولوجيا التَّعاملات الرقميّة.
وكونها منهجيّة وطنية، يمكن توفير منصة إلكترونية تفاعليّة، توفر فرص وبرامج تدريبية على مهارات المستقبل، كما تتضمن نماذج وأساليب تقييم وقياس في امتلاك الأفراد لتلك المهارات؛ تمكنهم من تحديد مستوياتهم الفعلية، وتتيح إمكانية متابعة مدى تقدمهم في المهارات التقنية والفنية متعددة التخصصات؛ للعمل على تنمية قدراتهم وكفاءتهم عبر برامج تدريبية، بما يتلاءم وطبيعة الأعمال والمهن المستقبليّة. مع توفير اعتمادات مالية؛ لدعم وتحفيز تطوير المهارات المستقبلية للمؤسسات ومنسوبيها؛ ترجمة لمبدأ التّعلم والتدريب المهني المستمر.