السنة 16 العدد 140
2021/02/01

عامٌ على رحيل القائد المفدى

 

 


 

 

محمد بن علي الإسماعيلي

 

تحل في شهر يناير من العام الجاري 2021م الذكرى السنوية الأولى لوفاة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، طيّب الله ثراه، الذي أسس رؤية حكيمة لعمان الحديثة منذ بزوغ فجر النهضة المباركة؛ إذ وازن فيها بين الموروث والعصري؛ تكوينا لفلسفة الحكم وبناء الدولة، ونقل الإنسان العماني إلى العالم.

في السطور القليلة القادمة سنقف على بعض مرتكزات سيرة البناء التي اختارها باني نهضة عُمان؛ للإشراق بمعايير تنموية لإقامة دولة متطوّرة في مختلف الجوانب الحيوية؛ فشخصيته القوية ذات البصيرة النافذة جعلت منه قائداً فذّاً استطاع دفع عجلة هذا الدور المحوري لعُمان على مرّ عصورها.

 

التعليم ذراع عُمان 

لعب العلم دوره في تكوين بناء معرفي للمجتمع العماني؛ لتتفاعل معه البيئة والعمران مُشَكِلةً محيطاً اجتماعياً وكونياً متحضّراً، فكان التعليم ذراع السلطان قابوس المعرفي لبناء معادلة أضلاعها التنمية الوطنية الشاملة في ربوع البلاد. وقد كان اقتصاد السلطنة مبني على المعرفة والتعليم؛ لذلك استثمر التعليم والبحث العلمي بشكل كبير لتنمية مواردها البشرية؛ لتواكب متطلبات العصر وتقدمه بالابتكار وتقنيات البحث وأدواته ومخرجات الجامعات والكليات. فيما تبنّت قطاعات المعرفة تشجيع العلم ورعايته ونشره استراتيجيةً لها؛ لتنشيط حركة الإنتاج والبناء، وضمان جودة التعليم ومخرجاته وحصيلته. ومن هذا المنطلق ظهرت مفاهيم التعليم العالي والابتعاث والتدريب تعزيزاً لاحتياجات سوق العمل، إذ أكّد عليها المغفور له بإذن الله تعالى في خطابه السامي الذي افتتح به مجلس عُمان.

 

الإنسان العماني

إنّ قضية بناء عُمان بعد سنوات من الركود لم تكن لتنجح لولا الاهتمام بقضية بناء العقول؛ لذلك ارتبطت هذه القضية بجميع أبعاد الرؤى المستقبلية للسلطنة طوال الخمسة عقود المنصرمة. وقد اعتمد السلطان قابوس الموارد البشرية العمانية غاية قصوى لتحقيق التنمية الشاملة وضمان نجاحها وديمومتها في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد والسياسة وغيرها؛ ليحدث نقلة نوعية في وفرة مفاهيم التعليم والتدريب والتوظيف وتنويع مصادر الدخل والتخطيط الاستراتيجي. وقد تنبّه، رحمه الله، لأهمية المشاركات الشبابية في التطوير والإبداع والإنتاج؛ كون أنّ هذه الفئة الأجدر لحمل شعلة الوطن وتحمل مسؤولية بناء البلاد والحفاظ على مكتسباته ومستقبله؛ لتأتي سنة 1983م عاماً للشباب في شتى مناحي الحياة الرياضية والثقافية والسياحية والسياسية والاقتصادية وغيرها؛ لتتوسع أنشطة المشاركات لتصل للخارج.

 

خطابات السيوح

لقد أسست الجولات السامية التي كان يقوم بها السلطان قابوس سنويا في ربوع عُمان نهضة فكرية في أهمية الحوار المباشر وتلمس حاجات المواطن والبلاد؛ لتغرس ثمرة قال عنها، طيّب الله ثراه: "أعترف بأني أتمتع كثيراً بهذه الرحلات الداخلية التي أقوم فيها بطول البلاد وعرضها. في هذه الرحلات ألتقي بالناس مواجهة، وأسمع مطالبهم وهم يسمعون وجهة نظري، إنني أشعر بالألفة هنا وهم كذلك .. إلخ". وقد كان لهذا النسيج العماني الفريد ملامح جسّدت سمة العفوية والصدق ومشاعر القرب، انظر إلى المعنى العميق الذي تحمله مقولة السلطان قابوس عن أهمية الجولات السامية: "دون التعاون بين الحكومة والشعب لن نستطيع أن نبني بلادنا بالسرعة الضرورية للخروج من التخلف". وقد تحقق ذلك بكثير من المشاريع والبرامج الإنمائية والقرارات الوطنية المهمة في شتى المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مدة نصف قرنٍ من الزمن تقريباً.

 

رؤى المستقبل

تشبّع الفكر السامي لصاحب الجلالة السلطان قابوس، رحمه الله، بالتفاؤل والأمل تجاه المستقبل العماني، فهناك كثير من خطاباته التي استشرف فيها حاضر الوطن، بقوله تارة: "المستقبل السعيد"، وتارة أخرى: "المستقبل المشرق"، ونجده يقول في أحد خطاباته: "بات الشعب العماني أكثر تصميماً على استكمال مسيرة التنمية المستدامة بخصائص عمانية". لعل هذا يقودنا للتوثّق من إيمانه الحقيقي بالشعب العماني وفكره ومنجزاته وتجربته الحقيقية؛ لنقلها للجيل الجديد حقبةً بعد حقبة. وقد حملت رسالة مستقبل النهضة العمانية معاني سامية، قاد جلالته أفكارَها بانتظام واستمرارية مكّنتها من الحفاظ على منجزها التاريخي وخصوصيتها بالتمسك بإرث الدين والعقيدة، وموروث العادات والتقاليد الأصيلة، ومواكبة متطلبات التقدم العصري؛ ليجعل من فلسفة النهضة منهاجاً يُدرس بين الشرق والغرب، قوامه بناء الإنسان العماني من طريق متصلٍ بين ماضيه العريق وحاضره المتجدد؛ فعمان الإنسان والبنيان نبتةٌ قوية الجذور.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة