د. محمد الجرايدة
أستاذ مشارك في الإدارة التعليمية
تكنولوجيا الواقع الافتراضي في التعليم في ظل جائحة كورونا المستجد
إذ إنه من الصعب التكهن بموعد انتهاء أزمة كورونا المستجد عربياً وعالمياً، ومن منطلق استمرارية التعليم، فقد اهتمت مؤسسات التعليم العالي بالبحث عن خيارات تعليمية لمواجهة الأزمة لضمان استمرارية التعليم جاءت ضرورة استعمال تكنولوجيا الواقع الافتراضي في التعليم في ظل جائحة كورونا المستجد خيارا استراتيجيا.
جاءت أزمة كورونا على غير موعد؛ مما حتم على كثير من مؤسسات التعليم العالي الانتقال المفاجئ إلى التعليم عن بعد؛ ليحدث تغييرا جوهريا في أساليب التدريس التقليدية؛ فاضطرت هذه المؤسسات التحول نحو منصات التعليم عن بعد، إذ لم تعد منظومة التعليم التقليدية قادرة على مسايرة مستجدات العصر. وتعد تكنولوجيا الواقع الافتراضي من أبرز ملامح التعليم عن بعد، التي تعتمد على وسائل الاتصال وشبكة المعلومات العالمية والحاسوب والبرمجيات، وهو بمثابة تعليم إلكتروني بمنهاج تكنولوجي يكمل التعليم التقليدي ويجوّد دعائمه، فقد أصبح لزاماً على هذه المؤسسات البحث عن خيارات تعليمية لا تشترط حضور الطلبة إليها، فكان الخيار الحتمي هو التعليم عن بعد.
لقد أثارت هذه الوضعية المستجدة مع كوفيد- 19 المستجد العقل التربوي في العالم؛ فاستحضرت الذاكرة التربوية أن التعليم ليس مستثنى من التغيير، فقد طرحت أزمة كورونا على المنظومة التعليمية بمختصيها البحث عن إجابات جديدة للأسئلة الملحة التي يدور فيها التعليم بفلسفته ومحتواه وأساليبه وأزمنته وأمكنته. ومما لاشك فيه أن أهم تجليات أزمة كورونا تعليمياً تصدر البيت للمشهد التعليمي خيارا حتميا؛ ليصبح وسيطاً تعليمياً شبه رسميـ، على الرغم من وجود اختلافات في تطبيق هذه الخيار من مؤسسة تعليمية لأخرى، وقد اهتمت جامعة نزوى على سبيل المثال بمشكلة التفاعلية، وأطلقت لذلك نظام التعليم الرقمي (Moodle)، الذي يتيح التواصي بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة، ويقوم على أساس تقديم الخبرات التعليمية التعلمية للطلبة دون حضورهم إلى مقر الجامعة؛ وذلك بتوفير نظام إلكتروني متكامل للدراسة؛ لتسهيل التواصل بينهم وبين أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، وإمكانية حضور المحاضرات من طريق شبكة الإنترنت مباشرة، أو تحميلها وتخزينها على أجهزة الحاسوب الشخصية والهواتف الذكية، إضافة إلى قدرته على إنشاء المقررات الدراسية الإلكترونية، التي تتخطى حدود الزمان والمكان، وتبادل المحتوى التعليمي الرقمي، وإجراء الاختبارات سواء أكانت متعددة الاختيارات أم اختبارات الصح والخطأ أم الأسئلة ذات الإجابة، وتوفير ميزة المنتديات التي يمكن من طريقها إجراء التفاعل بين الطلبة وأساتذتهم؛ ليمكنهم من إجراء مناقشات خاصة بإحدى موضوعات المنهج الدراسي، وإرسال مهاهم وواجباتهم الدراسية إلى أساتذتهم في فترة زمنية محددة للتسليم، واستعمال برنامج زووم للتواصل الصوتي والمرئي عبر الإنترنت، الذي يمكن من التعليم عن بعد عبر عرض المادة التعليمية المطلوب تعليمها عبر أي برنامج، سواء كان عرض تعليمي عبر ppt، word، فيديو، أم برامج تدريبية أخرى. كذلك إمكانية تسجيل فيديو لما يتم تداوله عبر الجلسة، ثم عرضه عبر أي وسيلة تواصل اجتماعي لحضورها لاحقاً.
وقد يكون الوقت الحالي أيضا مناسبا لتشتغل المؤسسات التعليمية على تقييم الأنظمة التعليمية الإلكترونية، القائمة لديها على استراتيجيات التعلم عن بعد؛ لتكون بديلة عن أساليب التعلم التقليدية أو أساليب التعلم المختلطة التي تتبناها مؤسسات التعليم على مستوى العالم، وكذلك العمل على استكمال اللوائح المنظمة لها فيما يتعلق بسياسات تصميم التعليم والتقييم عن بعد.
إن تظافر الجهود المبذولة من قبل القائمين على قطاعات التعليم العالي لدعم التعلم عن بعد في أزمة كوفيد 19 يعد مؤشرا حاسما إلى أن التعلم عن بعد سيصبح بشكل متزايد مكونًا حاسمًا في تقدم التعليم العالي إلى الأمام، كما يتوقع الخبراء أن بيئة التعلم التقليدية في الحرم الجامعي ستعود كما كانت قبل أزمة كوفيد 19، ولكنها ستعيد ترتيب أولوياتها فيما يتعلق بدور التعلم عن بعد كونه أداة داعمة للتعلم، لتحل محل التعليم التقليدي للتعامل مع أي احتمالات أو مقتضيات مثل تلك التي تنشأ عن الأوبئة وسوء الأحوال الجوية والكوارث الطبيعية. كما يمكن استعمال الوضع الحالي المتمثل في تعليق عمل المؤسسات التعليمية لتحديث وصقل منصات التعلم عن بعد وتعزيزه.