أحمد بن خلف بن سعيد المزروعي
مشرف أنظمة بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة الداخلية
محاضر زائر بجامعة نزوى - مساق تكنولوجيا التعليم.
الدراسة عن بعد بين القَبول والرفض
لو بدأنا حديثنا بعبارة "رب ضارة نافعة"، فسنجد ذلك متوافقا مع ما نعيشه في الوقت الراهن في ظل جائحة كورونا (كوفيد 19)؛ وذلك بتوقف الدراسة النظامية في معظم دول العالم وتحولهم للدراسة عن بعد، إجبارا لا اختيارا؛ تجنبا لاحتمالية انتشار العدوى بين الطلبة؛ مما قد يؤدي لنتائج لا تحمد عقباها.
إلّا أن العالم لم يقف مكتوف الأيدي في هذه الأزمة؛ وذلك فيما يخص عمليتي التعليم والتعلم، إذ إن مختلف المؤسسات التعليمية قد واصلت مشوار التعليم والتعلم باستعمال تقنيات التدريس عن بعد؛ توظيفاً لوسائل الاتصال والتواصل المختلفة لتحقيق الهدف الرئيس للعملية التعليمية.
في بداية تطبيق هذه الاستراتيجية كانت هناك كثير من التحديات والعقبات والمخاوف التي تذللت بفضل الله تعالى، وتعاون وتكاتف المجتمع بأسره. وقد تمثلت هذه التحديات في نقص عدد الأجهزة المستعملة في عملية التعلم، وعدم توفر شبكة الإنترنت أو بطئها الشديد، وكذلك نقص الخبرات والمهارات اللازمة للمعلمين والمتعلمين وأولياء الأمور في التعامل مع طريقة التعلم والتعليم عن بعد.
الدراسة عن بعد كانت بين القبول والرفض من قبل مختلف الأفراد والمؤسسات والدول، ولكن ظروف الجائحة أجبرت الجميع على استعمالها؛ بغض النظر عن المؤيد والرافض لها، ومع مرور الوقت ظهرت بعض التحديات التي تلاشت تدريجيا مع مرور الوقت، وقد زادت قناعة المعارضين والمشككين في نجاح هذه الاستراتيجية التعليمية الحديثة.
ومن هذا المنطلق، ومن أجل قياس مدى تقبل الطلبة لهذا النوع من الدراسة، فقد قمت بعمل استبانة لعدد 150 طالبا وطالبة من طلبة التأهيل التربوي بجامعة نزوى، وقد أبدى 75% من الطلبة ارتياحهم ورغبتهم في استمرار هذا النوع من التعلم للفصول القادمة، بينما سجّل استطلاع الرأي ما تقرب نسبته من 25% من الطلبة الذين يفضلون العودة لطريقة التعليم بالحضور إلى الحرم الجامعي.
فيما اختلفت آراء الطلبة ما بين مؤيد ومعارض للدراسة عن بعد، ويعد ذلك طبيعيا لوجود إيجابيات وسلبيات حسب طبيعة الدارسين وظروفهم. وقد اشترك معظم الطلبة المؤيدين للدراسة عن بعد في عدة نقاط، هي:
-
الدراسة عن بعد أسهمت بشكل كبير في توفير مصاريف السكن والسفر وشراء الكتب والمواد الدراسية، وبمعنى آخر أسهمت في توفير الوقت والجهد والمال.
-
استطاع كثير من الطلبة حضور كافة المحاضرات واستيعابها بشكل كامل، وهذا يعود لسهولة الوصول للمحتوى التعليمي في أي زمان ومكان.
-
إنجاز الأعمال والمهام أصبح أسرع من قبل؛ وذلك لوجود وقت في المنزل بسبب عدم هدره في الطرقات وانتظار المحاضرات.
-
أسهمت الدراسة عن بعد في التصدي لبعض صعوبات التعلم الحاصلة في التعليم التقليدي، مثل: مشكلة الفروقات الفردية بين المتعلمين، وكذلك تأخر استيعاب المعلومات للطلبة بطيئي التعلم.
ومن جهة أخرى كان للطلبة المعارضين للدراسة عن بعد بعض الآراء، تمثّلت في:
-
الدراسة عن بعد لا تتناسب مع ظروفهم المعيشية المتواضعة؛ وذلك لعدم توفر الأجهزة الكافية في المنزل الواحد، وإن توفرت فقد لا تتلاءم مع هذا النوع من الدراسة لمواصفاتها المتدنية.
-
بعض المناطق السكنية للطلبة تنعدم فيها إشارة الإنترنت، وربما إن وجدت فستكون بطيئة جدا ولا يمكن متابعة عرض المحاضر منها؛ مما أجبر بعضهم لقطع المسافات البعيدة للبحث عن شبكة الإنترنت.
-
واجهت بعض الطلبة بعض من المشاكل الفنية عند تثبيت بعض البرامج واستخدام بعض المواقع؛ مما تتطلب تدخلا من قبل أحد الفنيين أو المحاضرين، ولكن لعدم وجود الطالب في الحرم الجامعي لم تُحل المشكلة مباشرة.
-
ظروف السكن عند بعض الطلبة كانت عائقا في اكتساب المعلومة بطريقة صحيحة في أثناء المحاضرة؛ وذلك لازدحام المنزل وعدم وجود مكان مناسب للدراسة.
ورغم هذه الإيجابيات والسلبيات، إلا أن الدراسة عن بعد كانت حلا مثاليا للتغلب على مثل هذه الظروف الاستثنائية، فكان لزاما علينا أن نسعى جاهدين لتذليل مثل هذه الصعوبات بطرق مختلفة؛ وذلك من قبل المعلم والمتعلم وولي الأمر على حد سواء.
وفي الختام لا بد أن ندرك تماما أن الدراسة عن بعد فرضت نفسها وأثبتت قوتها وفاعليتها، ولا يوجد مجال للفرار منها حاليا ومستقبلا، ولابد أن نكيف أنفسنا لمثل هذا النوع من الدراسات الحديثة؛ تحسبا لأي ظرف مشابه لا قدر الله في الأيام القادمة.