هاجر الغفيلية
طالبة ماجستير في النقد الأدبي
جامعة نزوى
قراءة في كتاب "الأدب في خطر" لتزيفطان تودوروف
A critical reading in book "La Littérature en Péril", for Tzvetan Todorov
بدايةً، يمكنُ طرح التساؤل الآتي: لِمَ الأدب في خطر؟ ولِمَ سعى تودوروف إلى قرع جرس الإنذار، وتحذير دارسي الأدب، والنُقاد من الخُطَى التي تتجه نحو رفع منزلة المناهج الأدبية والنقدية وتفضيلها على الأدب نفسه؟
إن طرق تدريس الأدب -في يومنا هذا- تُهَدِّدُ جمالية الأدب واهتمام القراء المستقبلين له.
كيف؟
يرى تودوروف أنَّ تدريس الأدب في المدارس الثانوية، بجعله نموذجا توضيحيا للمناهج والمدارس الأدبية والنقدية، فهي التي تهدد وجوده، يقول: "إنهم يغتالون الأدب[...] لا بدراسة نصوص (غير أدبية) في المدرسة، بل بجعل الأعمال الأدبية مجرد أمثلة إيضاحية لرؤية شكلانية أو عدمية أو أنانية للأدب".
تودوروف أرادَ أنْ يُنَبِّهَ على أمرٍ لاحظه، هو انتقال المناهج الأدبية (الشكلانية، البنيوية، العدمية، الأنا، النقد الجديد، التفكيك، وما بعده..إلخ) من كونها وسائل إلى غايات في حد ذاتها، وتحولت الأعمالُ الأدبيةُ إلى نماذج لهذه المناهج الأدبية والفكرية.
ما المناهج والمدارس والمذاهب الأدبية إلا وسائل؛ لفهم النصوص بشكل أفضل وصرامة علمية ملزمة بحدودٍ معينة، ضمنَ إطارٍ من القواعدِ المنهجيةِ. فالمناهج تساعد على انفتاح النص، وعلى الكشوفات والقراءات المستجدة، لكن هنالك من يقوم بقدسنة المنهج على حساب الفنون الإبداعية!
إنَّ الوسائل والمناهج أحيانا ليستْ بالأمر المهم أنْ تُعْرَف، إذ يقول المؤلف في ذلك: "الأعمالُ الفنيةُ تُنتِجُ المعنى، والكاتب يفكر؛ ومُهِمَّة الناقدِ تحويل هذا المعنى وهذا الفكر إلى اللغة المشتركة في عصره -وليس مُهِمًّا معرفة الوسائل التي يبلغ بها هدفه".
-
كيفية استقراء كتب الأدب، بأي منهج؟ وأي منهج مناسب للقراءة وللتحليل؟
وإذا تساءل أحد ما "أي طريقة ينبغي سلوكها لبسط معنى عمل أدبي واستجلاء فكر الفنان؟ كل (المناهج) جيدة، بشرط أن تظل وسيلة بدل أن تتحول إلى غاية في حد ذاتها"، فمناهج دراسة النصوص الأدبية، والتحليل الأدبي، ودراسة خصائص الخطاب الأدبي، وأدوات النقد، كل تلك الغاية الأسمى لها هي الفهم، فــ"الهدف النهائي يظل فهم معنى الأعمال الأدبية"، إذن الفهم هو الأهم.
وكذلك "ينبغي تشجيع القراءة بكل الوسائل -بما في ذلك قراءة الكتب التي ينظر إليها النقد الاحترافي بتعال، إن لم يكن باحتقار، منذ [رواية ألكسندر ديماس] الفرسان الثلاثة حتى هاري يوتر".
كما يصر تودوروف على أن الأعمال الأدبية لا تنفصل عن العالم الخارجي (خارج النَّصِ)، وقد استقريتُ أنه لا يوافق المنهج البنيوي في انغلاق النص على ذاته، الذي له "عالمه الداخلي" الخاص به، ولا يوافق الشكلانية، ولا المنهج الجمالي الذي يسير وفق نظرية الفن للفن فقط، بل يوضح لنا أننا لم نفهم حقيقة فكرة "الفن للفن"، فالفن ليس من أجل ذاته، إنما من أجل إظهار الجمال بعيدا عن أي أيديولوجيا أو فكر أو نية أخرى في أثناء الإبداع، سوى إبداع الجمال. والمؤلف إذ ذاك، لا يتفق –كذلك- مع تدريس الأدب بطريقة لا تحبب الطلبة في جمال الأدب، وبطريقة تدريس الأدب من أجل فهم المناهج الأدبية؛ أي أن المناهج أصبحت غاية في حدِّ ذاتها؛ بإبراز جمالها هي دون الأدب.
وأما خلاصة الفكرة -التي تطيح بباقي المناهج من الشكلانية والبنيوية والعدمية والأنا (الجمالية)- فهي أن"دراسة الأدب تعني دراسة الإنسان، علاقته بنفسه وبالعالم وعلاقته بالآخرين".
-
حل الإشكالية (كيفية إنقاذ الأدب):
يوضح تودوروف كيف ينبغي للتعليم المدرسي للأدب أن يكون، ويفند الأسباب بقوله: "لا ينبغي بعد الآن أن يكون هدف تحليل الأعمال الأدبية في المدرسة هو إيضاح المفاهيم التي قد استحدثها هذا العَالِم أو ذاك من علماء اللسانيات، أو هذا المنظر للأدب أو ذاك، [...] هدف التحليل سيكون الوصول بنا إلى معناها؛ لأن[...] هذا المعنى سيقودنا، بدوره، نحو معرفة للإنساني، هذه المعرفة التي تهم الجميع"، فالمؤلف مهتم بالمعنى (معنى النص الأدبي)، وبخلق حالة شعورية لدى الجميع بأهمية الأدب ودوره في الحياة.
وقد حاول تودوروف إيصال فكرة "روحانية الأدب"، فالأدب حُبٌ ومشاعرٌ وأحاسيسٌ، وتجارب ينقلها المؤلف، بعد أن عايشها أو تأمل وتفكر فيها، وخلقها في عمل فني إبداعي، إنّ "الأدب يستطيع كثيرا. يستطيع أن يمد لنا اليد حين نكون في أعماق الاكتئاب، ويقودنا نحو الكائنات البشرية الأخرى من حولنا، ويجعلنا أفضل فهما للعالم ويعيننا على أن نحيا".
خُتِمَ الكتاب بعبارة جادة وصارمة، تحملُ هَمًّا عظيما بعظمة دور الأدب، يقول تودوروف: "علينا، نحن الكبار، يقع واجب تبليغ الأجيال الجديدة هذا الميراث الهش، هذه الكلمات التي تسعف على حياة أفضل". إنَّ ما يمكن قوله عن هذا الكتاب أنه من النوع: الجميل الثقيل.