تفاصيل الطفولة جعلت من الهندسة شغفا يلازمها
إشراقة:
مريم ساطع الشريدة، من العراق، تخصص هندسة عمارة بجامعة نزوى، نشأت في بيئة هندسية منذ الصغر؛ فأبوها وأمها من المتفوقين في الهندسة المعمارية في دراستهم الجامعية، وإخوتها أيضا من المهندسين المتميزيين. في طفولتها المبكرة كنت تلتحق مع أمها في العمل، وكانت دائما ما تضع لها طاولة صغيرة وأوراق ومجموعة ألوان لتتسلى بها ريثما تنهي عملها، فكان الرسم ملازما لمريم طيلة تلك المرحلة، يكبر معها ليصبح هواية جميلة تقضي فيها أوقات فراغها.
تعود مريم بشريط الذكرى إلى الماضي وتقول: من الأشياء الجميلة التي علّماني إياها والديّ أن أستثمر فراغي دائما في التطوير من نفسي والتعلم والتجربة لأستكشف قدراتي وذاتي. فجربت تعلم الخط العربي تارة وتعلمت صنع اللوحات وغيرها من المشغولات اليدوية تارة أخرى. وإذ إن والديّ يعملان في العمارة والفن، أسهم ذلك في التأثير علي فتعلمت منهما الدقة والتنظيم والبحث الدائم عن البدائل لحل الصعوبات التي تواجهني في مختلف المواقف، وأيضاً الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة وكيف أنها تصنع فارقاً وتضفي لمسات جمالية في كل عمل، كل هذه الأمور أسهمت في صقل شخصيتي وتكونها.
لا أنسى أن للمدرسة دورا وتأثيرا عليّ، فقد نشأت في بيئة دراسية تنافسية، وطيلة سنين الدراسة كنا دائماً أنا وصديقاتي في تنافس ودي بيننا، والعمل بأقصى جهدنا للوصول للتفوق والتميز، ناهيك عن تشجيع المعلمات لهذا التنافس، وحثنا على الاستمرار حتى وإن لم نصل لمرادنا فلا نسمح لليأس أن يصيبنا ونسمتر في المحاولة، ولله الحمد كنا دائما من المتفوقين المتميزين الذين يضعون بصمتهم أينما ذهبوا.
حس معماري منذ الصغر
على الرغم من نشأتي في بيئة هندسية، إلا أن حب الهندسة لم يكن موجودا في طفولتي؛ فكان الفن بالنسبة لي مجرد هواية أمارسها لتقضية وقت الفراغ، مثل: الرسم وصناعة المشغولات اليدوية البسيطة، إلا أن تشجيع أهلي المستمر لي وتوسمهم فيّ الحس المعماري كان مستمرا حتى وصولي لمرحلة الثانوية، فكانوا يرون في شخصي موهبة مميزة تحتاج إلى الصقل والتمرين. وفعلا هذا ما حصل لاحقا عند التحاقي بالتخصص، في السنوات الأولى التي يطلب من الطالب أن ينمي خياله ويهيئه لمرحلة التصميم والابتكار، وكانت تلك التجربة من أجمل الأوقات التي عشتها بحلوها ومرها. فكل واجب يُعطى لي كان بمثابة تحدي لذاتي لأكتشف ما يمكنني فعله، فكنت أقضي ساعات الفراغ بين المحاضرات في مكتبة الجامعة وبين الكتب الهندسية أبحث عن المعلومات التي تعينني في جعل تلك الواجبات أفضل ما يمكنني أن أقدمه، وكان عندي طموح دائم للوصول إلى أفضل نتيجة. وبالطبع فإن حبي للهندسة كان ولا يزال يزداد في كل مرة أتلقى فيها معلومة جديدة من كتاب أو مصادر أخرى.
مصادر القوة والدعم
الأسرة هي الداعم الأكبر لي ومصدر القوة التي أستمدها حتى في أضعف لحظاتي في مرحلة الدراسة، أيضا أصدقاء وزملاء الدراسة كانوا من المحفزين والداعمين لي، فكنا دائما ما نخلق لبعضنا أجواء تنافسية في أثناء مراحل التصميم، نشجع وندعم بعضنا بعضا، ودائما نستمع لآراء بعضنا ونتقبلها بروح رياضية، وربما هذا التواصل والرابط المستمر بيننا هو ما أسهم في تميز الدفعة كلها. وبالطبع لا ننسى الفضل الأول والأكبر لأساتذة قسم العمارة في إبراز المواهب الكامنة والقدرات الخفية، وإن كانت هناك لحظات ضغط وشدة. فمثل ما يذكرني أبي دائما: "الشدة يا ابنتي تُعلم في كثيرٍ من الأحيان" وفعلا في كل مرة يشد الأستاذ فيها على طلبته يبرز في العمل قوة وتصميم مميز وملحوظ. أيضا حثهم المستمر على السؤال والبحث المتجدد لإيجاد أفضل الحلول التي ترفع من مستوى العمل وتميزه. وفي هذه المناسبة فإني أرسل شكري وامتناني إلى كل أستاذ أسهم في إبراز موهبتي وتميزها.
مشاركة فاعلة
شاركت في أغلب المعارض والفعاليات الهندسية التي أقيمت في الجامعة، كما اشتركت مع زملائي في تنظيم اليوم الهندسي الرابع والخامس والسادس الذي أقيم على مدار سنين دراستي الجامعية. وبالطبع مثل هذه المشاركات مهمة للترويح عن النفس والابتعاد قليلا عن ضغط الدراسة. كما أنها كانت وسيلة لممارسة هوايات الطفولة، والتقرب من الزملاء والأساتذة لقضاء وقت ممتع وصنع ذكريات جميلة.
انضممت مؤخرا لإدارة جماعة الهندسة، ولم تتسنَ لي الفرصة الكافية لإدارتها بحكم الظروف التي واجهتنا من إغلاق الجامعة وتوقف الدراسة. ولكن في أوقات التنظيم والتجهيز للفعاليات الهندسية كنت أتبع سياسة تنظيم الوقت وتقسيمه لضمان الإنجاز وإعطاء كل جزء حقه من العمل.
إن أغلب المعلومات التي تلقيتها من التخصص كانت تطبق في الفعاليات، فمثلا في دروس التصميم تعلمنا أنا الدقة في التفاصيل الصغيرة تسهم في إحداث بصمة ملحوظة على التصميم، وفي العمل على الفعاليات كنا نهتم بأدق التفاصيل التي تسهم في جعل الفعالية ممتعة، كما كنا في كل تنظيم نخلق أجواء ونبتكر فقرات مختلفة عن المرات السابقة لإحداث التميز المرغوب.
وقبل أيام عدة شاركت في الملتقى الوطني العاشر لمشاريع التخرج الهندسية، تحت شعار: "الأنظمة الذكية والابتكار"، الذي يرتكز على أهمية البحث العلمي والابتكار ومدى فعالية المشاريع الهندسية وإمكانية تطبيقها في أرض الواقع، ولله الحمد منحت مرتبة أفضل ورقة بحثية في قسم الهندسة المعمارية ضمن 5 أوراق بحثية أخرى.
مستقبل زاهر
إنني أجد نفسي، أحذو حذو المتميزين في العمارة في أن تبرز أعمالي المستقبلية على مستوى السلطنة. وبالطبع أن أستمر في الدراسات الجامعية لأتلقى مزيدا من المعلومات وأساليب العمارة الحديثة. فالهندسة حال غيرها من التخصصات المتجددة، والإلمام بالمتجدد والدارج في العمارة من صفات المهندس الناجح.
الحرفة المخفية
نصيحتي لإخواني الطلبة أن يهتموا بمواهبهم ويطوروها، فالمواهب هي الحرفة المخفية بداخل كل إنسان، والهتمام بها وتمرينها مهم جدا لإبرازها. فالموهبة ليست مضيعة للوقت، ومن يدري فربما تكون مصدر الرزق في السنين القادمة. أيضا تلقي المعلومات فقط ليس كافيا لإبراز الموهبة، التطبيق والمحاولة وعدم اليأس هو ما يسهم في تطورها، إضافة إلى تحدي الذات المستمر لاكتشاف الطاقات الكامنة في داخل كل فرد منا.