د/ عبير فاروق البدري
أستاذ مساعد الصحة النفسية والإرشاد النفسي
مدير مركز الإرشاد الطلابي
abeerfarpuk@unizwa.edu.om
عزيزي القارئ المبحر في الكلمات مرحباً بك على الدوام، صديقاَ مثقفاً ... أعلم أنك ركبت مع العالم أجمع سفينة التوتر والقلق، نعم كلنا كذلك، ففي بعض الأحيان أتصور أن كوكب الأرض في زمن كورونا - أشبه بغرفة طوارئ كبيرة كلنا يخشى المرور جانبها - فلقد شهدنا في ظل هذه الجائحة العديد من التغيرات والمشكلات المتلاحقة، والعديد من التناقضات التي بدت وكأنها لم تكن من قبل، إضافة إلى عنصر المفاجأة الذي اجتاح مشاعرنا جميعاً.
كما تعلم عزيزي أن هناك حالة القلق العام جراء هذا الجائحة، تسللت إلى السلام الداخلي الذي يتمتع به العديد من الأصحاء؛ لينال من راحتهم، فكلما كنت على علم بكيفية الحفاظ على نفسك واتباع الإجراءات الاحترازية للوقاية من هذا الفيروس كما ينبغي، كنت في أمان واطمئنان.
هل سمعت من قبل عن متلازمة الكوخ؟!!
يرى البروفيسور أحمد عكاشة - أستاذ الطب النفسي ورئيس الجمعية الأمريكية للطب النفسي الأسبق - أن (متلازمة الكوخ) تسبب في ظهور كثير من الأعراض، مثل: (القلق - العصبية - الأرق – الضيق - التوتر- قلة النوم أو زيادة النوم - العزلة الاجتماعية... إلخ)، إذ لزم كثير من الناس منازلهم، وازداد الإقبال على شبكة المعلومات العالمية؛ كونه الوسيلة الأمثل للاطلاع على الأخبار المحلية والعالمية في وقتنا الحالي، وأطلق على هذه المرحلة التي نعيشها اليوم (كرب ما بعد الصدمة)، ويعلم كثيرون أن هذا المصطلح مرتبط بالكوارث الطبيعية عموما. ويتفق عكاشة مع نفس المعنى، إضافة إلى (العيش في تجربة لم يمر بها الشخص من قبل)، قد لا تصيب الكل، ولكن يصاب بهذا الشعور العديد من الأشخاص، كما تزايد انعدام الدافع، وعدم الرغبة في مواصلة الإنتاج لدى بعضهم، ولكن كل ذلك قد يعد قلقاً منطقياً في زمن كورونا.
ما بالك عزيزي بأشخاص من ذوي اضطراب الشخصية الوسواسية؟!!!
الآن حانت لحظة انطلاق رحلتنا المعتادة، فدعني أصطحبك في رحلة قصيرة داخل عقل وقلب هذا المضطرب في ظل هذه الجائحة ...
يعد اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية Obsessive- Compulsive Personality
Disorder، نمطاً ثابتاً من الاشتغال بالانتظام والكمال والضبط العقلي وضبط العلاقات الشخصية على حساب المرونة والانفتاح والفعالية، الذي يبدأ في الظهور منذ البلوغ الباكر ويتبدئ في العديد من السياقات، كما يستدل عليه بأربعة (أو أكثر) من التظاهرات الآتية:
1- مشتغل بالتفاصيل أو القوانين أو اللوائح أو الترتيب أو التنظيم أو الجداول (مخططات العمل) إلى حد يضيع معه الموضوع الرئيس للعمل الذي يقوم به.
2- يظهر كمالية تتداخل مع إتمام الشخص لواجباته (مثال: العجز عن إنهاء مشروع ما نظرا لعدم استيفاء المعايير الدقيقة جداُ).
3- التفاني الزائد في العمل والإنتاجية إلى حد التخلي عن أوقات الفراغ والصداقات.
4- ذو ضمير حي زائد ومتشكك ومتصلب فيما يخص المسائل الأخلاقية والمثل والقيم (لا يفسر ذلك بالهوية الثقافية أو الدينية).
5- يعجز عن التخلي عن أشياء عديمة القيمة، حتى إن لم تكن تحمل قيمة عاطفية.
6- لا يرغب في تفويض أمر المهمات أو العمل للآخرين ما لم يخضعوا تماماً لطريقته في تنفيذ الأشياء.
7- يتبنى نمطاً بخيلاً في الإنفاق نحو نفسه ونحو الآخرين، فينظر إلى المال على أنه شيء لابد من تكديسه من أجل كوارث المستقبل.
8- يبدي تصلباً وعناداً.
إن اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية يعد من اضطرابات القلق، وفيه يعاني المصابون من الأفكار والمخاوف الزائدة عن الحد تجاه بعض المظاهر المرتبطة بفيروس كورونا، مع العلم أن مصابي الوسواس يدركون جيداً أنها أفكار ملحة خاطئة ووهمية ومبالغ فيها إلى أقصى حد، ولكن أفكارهم الملحة تقودهم إلى مجموعة من السلوكيات، منها:
- · النظافة المبالغ فيها.
- · العزلة الاجتماعية.
- · تخيل أشياء وهمية.
- · تصرفات عدوانية.
- · إيذاء الذات بتنفيذ بعض الأفكار الملحة عن النظافة وغسل اليدين بين كل مرة ومرة في أقل من دقيقة، والمبالغة في استعمال المعقمات.
- · الاضطراب عن تناول الطعام أو الامتناع.
- · اضطراب في النوم إما بالزيادة أو النقصان.
كيف نساعد المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية؟
1- مساعدة المصابين باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية بواسطة مختصين، على أن يدرك المصاب في أثناء الجلسات أن:
- · السلوك التكراري مبالغ فيه وغير معقول (على المدى القريب).
- · تقليل الوقت الذي تستغرقه الأفكار أو الأفعال الوسواسية أو درجة تدخلها في حياته (على المدى البعيد).
- · تقليل الوقت الذي تستغرقه الأفكار أو الأفعال الوسواسية أو درجة صراعات الحياة الرئيسة التي تغذي أنماط السلوك الوسواسي القهري (على المدى البعيد).
- · تنمية القدرة على الأداء اليومي بصورة متسقة مع أقل تدخل ممكن من قبل الأفكار والأفعال الوسواسية (على المدى البعيد).
2- مساعد المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية بواسطة الأهل والأصدقاء:
- · متابعة الحالة مع مختص، والجلوس معه وصرف الأدوية المناسبة لحالته.
- · إبعاده عن مصادر الأخبار السلبية لمشاعره؛ دون السخرية من أفكاره الوسواسية.
- · تجنب جداله في الأفكار التي يتحدث عنها في وقتها؛ حتى لا يصاب بالانفعال الشديد، فمن المحتمل أن يؤذي نفسه بشكل أو بآخر.
- · عدم تهويل الأمور في أثناء سرد القصص أمامه عن المصابين بفيروس كوفيد – 19، مع مراعاة أنه مريض بالقلق والأفكار الوهمية التي تنسج خيالات عن الموت وغيره؛ لارتباط هذا الاضطراب بالاكتئاب.
- · تشجيعه على ممارسة الرياضة مع مجموعة من الأنشطة التي تساعده على الاستمرار دون قلق.
- · تقريبه من الأخبار الإيجابية وحالات التعافي قدر المستطاع.
- · عدم ذكر الشائعات ونشرها على كافة المستويات.
- · عدم التعامل معه على أنه يبالغ في الأمر، مع الحفاظ على ممارسة الإجراءات الوقائية الاحترازية أمامه حتى يزيد ذلك من اطمئنانه.