السنة 15 العدد 136
2020/10/01

د/ عبير فاروق البدري
مدير مركز الإرشاد الطلابي
أستاذ مساعد الصحة النفسية والإرشاد النفسي

abeerfarouk@unizwa.edu.om

 

عزيزي الطالب/ الطالبة.... مرحباً بك عضواً مشاركاً في المجتمع الجامعي، وسلاماً على من غادروا هذا العام، حاملين معهم حقيبة الأمنيات، طارقين باب الغد المشرق لبناء الأوطان...

   عزيزي القارئ... دعني أصحبك في رحلة قصيرة بين سطور المعرفة...

  بحسب العلم أنت لا تزل مراهقاً / مراهقة...

    لا تغضب... فهي ليست إهانة أو تقليلاً من شأنك ... بل على العكس تماماً أنت تتمتع بطاقة إبداعية وعقل براق معظم الوقت، فإليك هذه الحقائق العلمية:

 

عادة ما تتواكب المرحلة الجامعية مع مرحلة المراهقة المتأخرةLate Adolescent ؛ وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية في تصنيفها للمراحل العمرية للإنسان، إذ تتسم مرحلة المراهقة المتأخرة بأنها فترة عصيبة حرجة، ومنعطف خطير في حياة الإنسان، حيث البحث عن الذات، وتكوين الأهداف، وإيجاد السبل المناسبة لتحقيقها؛ وذلك لأنها مرحلة تتأثر بما قبلها، وتؤثر فيما بعدها من فترات سابقة، ولاحقة على السواء، فهي مرحلة ذات طبيعة بيولوجية واجتماعية خاصة، إذ إنها تعد تجميعاً حقيقياً لما سبقها من مراحل، ويتمثل ذلك في التكوين النفسي والاجتماعي للشخصية، فيتعرف الكائن البشري على معظم قدراته، وإمكاناته المتعددة، وجوانب شخصيته الخفية.

 

   لنتوقف قليلاً لأطلعك على بعض من الصراعات التي قد تواجهك في مشوارك الجامعي، مع العلم أنه ليس بالضرورة أن تواجهك بالفعل...

 

سوء التوافق: Maladjustment

     من المحتمل أن يحدث لك عزيزي الطالب نوع من أنواع سوء التوافق عند التحاقك بالجامعة في البداية، أو عندما تصطدم بأحد المواقف التي تتطلب منك اتخاذ قرار مبكر؛ كي لن تستطيع مواجهة ما أزعجك، ويعني ذلك الانسحاب من مسؤولياتك الإنسانية. وقد يتمثل سوء التوافق في أثناء المرحلة الجامعية، في عدم قدرة الطالب على تحقيق التوازن النفسي بينه وبين وسطه المحيط، وأقصد هنا بوسطه المحيط (بيئته الأسرية، الجامعية، أو مجتمع الأصدقاء... إلخ)، والتوافق Adjustment بصفة عامة نسبي، ويختلف من شخص لآخر، ولنفس الشخص من مرحلة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، وهكذا.

 وتوجد أنواع متعددة للتوافق، التي من المفترض أن يحظى بها -أو ببعضِ منها- الإنسان المتمتع بالصحة النفسية، ونذكر منها ما يأتي:

  1- التوافق الشخصي والاجتماعي: Personal and Social Adjustment

       يشير إلى التوازن بين الوظائف المختلفة للشخصية؛ مما يترتب عليه قيام الأجهزة النفسية بوظائفها دون صراعات شديدة.

 

   إن التوافق الشخصي والاجتماعي يتضح عندما يكون الفرد راضياً عن ذاته، وقادراً على التوفيق بين احتياجاته ودوافعه، كما يحقق التوافق الشخصي والاجتماعي للإنسان قدراً كبيراً من التوازن الذي يساعده على إدراك حقوق الآخرين، وكيفية تكوين علاقات طيبة معهم على المستوى: (الأسري، الدراسي، والبيئي)؛ مما يسهم في نجاحه في معظم جوانب حياته.

   ويؤكد برونر (1983) في كتابه "التوافق والنمو الشخصي – سبعة سبل)Adjustment and Personal Growth: Seven Pathways أنه يكاد أن يطابق بين التوافق والصحة النفسية، كما يرى وجود عامل واحد مسؤول عن تمتع الفرد بالصحة النفسية، ولكن هناك مجموعة من العوامل التي تسهم في ذلك، منها:

1- الاستبصار:  إذ يكون الفرد قادراً على معرفة ما لديه من دوافع.

2- العادات الإيجابية: حتى يستطيع أن يغير "العادات السيئة" ويكون لديه عادات إيجابية.

3- التفكير الواضح: أن يكون لدى الفرد القدرة على "التفكير الواقعي".

4- الاتصال الفعال: ليكون لدى الفرد القدرة على التواصل.

5- الحياة الأصيلة: ليستفيد الفرد من قدراته وإمكانياته.

6- الرؤية الأوسع: ليرى الفرد نفسه جزءا من الوجود الأكبر.

 

 

  والآن دعني أوضح لك عزيزي القارئ... ما يقصده "برونر" في بعض من النقاط السابقة، وكيف تتبني هذه العوامل لتصبح عادات تفيدك في حياتك؛ إن لم تكن عاداتك وأفكارك بالفعل، أو ربما تفتقد لإحداها...

  • ·        الاستبصار: أن تجيب على السؤال الآتي على سبيل المثال:

- ما الدافع الحقيقي وراء التحاقك بالجامعة؟

  وعليه إن كانت إجابتك أنك تريد شهادة جامعية لتعمل بها، فقد تكون على صواب؛ ولكن دعني أطلعك على أمر يدعى الإبداع والابتكار؛ ليقود إلى التفوق والتميز، وهنا يختلف الدافع ويصبح أعم وأشمل... مثلاً: كأن تفيد عقلك بالإثراء العلمي على مدى سنوات دراستك الجامعية؛ لذا ستحصل على -التوافق الدراسي- الذي سنتحدث عنه لاحقاً، ثم تفيد نفسك والآخرين من طريق خبرتك العملية التي اكتسبتها، وتلحق بركب المبدعين القلائل على مستوى بلدك، ثم للعالمية.

  • ·        العادات الإيجابية: ويقصد بها هنا أن يكون لديك مرونة لا جمود فكري.

-  ونقصد هنا أن تتمتع بالقدر الكافي من الإيجابية عندما ينتقدك أحدهم على سبيل المثال، أو عندما تكتشف أنك لست على الدرب القويم الذي سيجعلك تنمي من ذاتك وتتطور على النحو الذي يمكنك من تحقيق أهدافك وطموحاتك المستقبلية، ومن الذكاء أن تمتلك مهارة الملاحظة: Observation ، حتى تتمكن من متابعة كل ما هو سلبي في أفكارك وتحوله إلى طاقة إيجابية، وتحصل على ذلك بالعلم والمعرفة...

  • ·        التفكير الواضح: ويعني أن تمتلك القدرة على تحديد أهدافك في حدود إمكاناتك المتاحة، بل وتطور إمكاناتك وقدراتك الشخصية حتى تتمتع بالقدر الكافي من القدرة على مواجهة التحديات. والتفكير الواقعي هنا يقصد به ألا تحيا في الخيالات .... فمن يحلم بالوصول إلى مبتغاه عليه أن يعمل بجد واجتهاد دون تخاذل حتى يصل إلى هدفه المنشود...
  • ·        الاتصال الفعال: ويعني أن تمتلك مهارة التواصل الفعال مع الآخرين، سواء على المستوى البصري أم اللفظي أم الاجتماعي ... وأن تحسن اختيار كلماتك.. فكلماتك وسلوكك جواز سفرك لقلوب وعقول الآخرين.
  • ·        الرؤية الأوسع: حيث ترى نفسك جزءاً لا يتجزأ من هذا الكون الذي يتسع لكل المخلوقات... وهنا أنصحك ألا تحد من قدرات عقلك؛ فأنت تتسم بكل ما يتسم به هذا الكون الفسيح من قوة واتساع، كن على القدر الكافي من كونك إنسانا، أطلق العنان لأفكارك وطور من ذاتك، واحلم وتمسك بالحلم حتى تحقيقه.

 

2- التوافق الدراسي:Scholastic Adjustment

        وأعني به قدرتك على التكيف والتوازن مع مجتمعك الدراسي، والمواد العلمية التي تدرسها، ومحيط الأصدقاء، وكذلك تواؤمك مع أساتذتك في أثناء مرحلتك الدراسية؛ مما يعني أن تكون ناجحاً في علاقاتك الاجتماعية في وسطك المحيط، وأن تشترك في الأنشطة المختلفة لتنمي مهاراتك الشخصية؛ لتستطيع التعبير عن ذاتك بكل ثقة وثبات، وتستطيع إدارة وقتك ومهاراتك لتحقق النجاح في حياتك العلمية والعملية فيما بعد.

 

  وأخيراً وليس بآخر.... هناك بعض النقاط المهمة التي إن اتبعتها، ستنعم بالمحافظة على توازنك النفسي والانفعالي أغلب الظن، على النحو الآتي:

1- حافظ على تكاملك الشخصي بأن تهتم بأفكارك وسلوكياتك لتنمي شخصيتك، ومن الأهمية القصوى أن تقرأ وتثقف نفسك دائما بجانب دراستك الجامعية، ولا تنسَ الكلمة الطيبة لك دائما.

2- إياك والتسويف.. فهو آفة التقدم والنجاح، رتب أولوياتك، ونظم وقتك، واهتم بصحتك النفسية والبدنية، فالعقل السليم في الجسم السليم.

3- انضج بما يتناسب مع مرحلتك العمرية -وهنا- يكون النضج على المستوى الشخصي والانفعالي، والاجتماعي.

4- حافظ على تواصلك الاجتماعي بالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية التي تتناسب مع مواهبك، ومن الأهمية بمكان أن تتعرف على موهبتك حتى تستطيع تنميتها.

  وأخيرا.. تمنياتي لك بمزيد من التقدم والتوافق النفسي.

وللحديث بقية.

إرسال تعليق عن هذه المقالة