السنة 17 العدد 162
2022/12/01

ميزان القصيدة الوطنية ...

"وتجلَت لي عُمان" لتبلغ ذروتها في مثل هذه المناسبات!

 


 

 

إشراقة: موهبة العدد

 

الوطن رمز الهوية وتاريخ الحضارة، هو ذلك الإحساس الخفي الذي يضاهي إنجازا كبيرا تناقله الإنسان جيلا بعد جيل. حبُّ الوطن مغروس في أعماق القلب، يتجلى دائماً في القول والفعل؛ ليغرس المواطن الصالح شعورا عميقا في تراب حبِّ الوطن والانتماء إلى أرضه. وما أدلّ وما أرقّ من عُمان وهي تحتفل بعيدها الوطني الثاني والخمسين المجيد؛ لتتسابق مفردات المعاجم في وصف حبّها شعرا ونثرا ... إنها تخضع الأدباء في نظم الكلمات الرقراقة كورود تنثر شذاها لتلامس شغاف القلب وأحاسيسه الجيّاشة.

 

 

 

في رحاب جامعة نزوى شاعران من الزمن الجميل، كان وقع أشعارهما في العيد الوطني أكثر شاعريّة، إذ توسّما ألفة الوطن، تحرر بوحهما محمّلًا بأسرار الأرض وجواهر السماء، فعاشت قصائدهما في كلِّ لحظة لتلامس أرواحنا وتخترق وجداننا. لغة عروضهما تدافع عن الأصول والجذور، فقد تمخّضت لتلد إرثا أثرى المكتبة العمانية الشعرية في رفوف أدبها الوطني. نعم ... كان لابدّ من أن تكون موهبة العدد 162 من إشراقة استثنائية في شهر عُمان الاستثنائي، لنناقش الشاعر الأديب هشام بن ناصر الصقري، طالب ماجستير في كليَّة الاقتصاد والإدارة ونظم المعلومات بجامعة نزوى، وموهبته الوطنية المتفجرة في الشعر وإثرائه لخزانة القصيدة الوطنية. وفي ذات السياق، نستضيف الشاعر الكبير الدكتور خميس بن ماجد الصباري، أكاديمي سابق في قسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب في جامعة نزوى؛ لإثراء الموضوع، ونحبس معهما مشاعر الكون العماني في تفعيلة الشعر الوطني الخصب.

 

العيد الوطني (مواطناً)!

 

للشعر الوطني تجليات صادقة، تسترعي اهتمام المتلقي؛ كونها تمثل حالة فنيّة اتخذها الشعراء مسلكا في ترجمة ابتهاجهم لاستنهاض همم المجتمع، يقول في ذلك هشام الصقري: "هذه المشاعر تزدان وتكبر ويكون لها طابع خاص في الأعياد الوطنية، وكون أن المواطن يعبر عنها بالطريقة والأسلوب الذي يراه مناسباً، إذ يعكس مشاعره وإحساسهُ الصادق". كذلك تبني القصيدة الوطنية تجليات في ذائقة الشاعر، ليشارك بها في بناء وطنه مثلما يقول الدكتور خميس الصباري: "العيد الوطني ابتهاج حقيقي بالوطن واعتزاز بموقع تاريخي مجيد، وكتاب تضيء صفحاته بالمجد العريق، والحاضر المشرق".

 

 

(شاعرية) العيد الوطني!

 

الوطن والمواطنة لا نحتكرهما في أيام معدودات، بل هما أصل لكل فرع يعيشه الإنسان، إلا أن القصيدة الوطنية تبلغ ذروتها في مثل هذه المناسبات؛ لتثير لدى الأدباء شاعرية يعبرون عنها كلٌ على شاكلته في حب الوطن وانتمائه إليه. وقد ناقشنا هذا الموضوع مع ضيفينا فأجابا تتابعا ... الصقري: "لا شك أن العيد الوطني ترجمة لمشاعر الإنسان تجاه وطنه، وكل هذه المظاهر تثير في هذا الإنسان -شاعرا كان أو لم يكن- في داخله مشاعر مختلفة وأحاسيس عظيمة تجاه هذا الوطن الغالي، ربما يجد نفسه يكتب قصيدةً تعبر عن ذلك الإحساس، وأظن أن الشاعر مقترناً بشعر بقيمة هذه الأعياد وعمقها في داخله، وتتجسد تحديداً كتابته في نص يعبر عن ذلك الشعور". وأضاف الصباري: "كل يوم تشرق فيه الشمس ونحن على ثرى هذا الوطن المجيد هو عيد يتجدد، تتنفس فيه الأرواح والأمن والقيم والعادات الحميدة التي تتزين بها ربوع هذا الوطن الغالي. وهو مثار للشاعرية التي تتغنى فيه بأمجاد هذا الوطن وأصالته".

 

للشعر الوطني (خصائص)

 

للقصيدة الوطنية مسؤولية لا يدركها الشاعر إلى باستشعار خصائص الشعر الوطني، وقوة العاطفة تجاهه، وصدق العاطفة نحوه، وإشهار بطولاته وأمجاده، وترسيخ قيم العلو والرفعة والعزة فيه. (ماذا يعجبك في فن الشعر … أنشودة أم أغنية أم قصيدة احتفال؟) سؤال وجهناه إلى الشاعرين الكبيرين، أجاب الصقري: "الشعر شعر مهما اختلفت أشكاله، ولكن يبقى لكل حدث ما يناسبه. أظن أن القصيدة الوطنية التي ترتجل في المنابر لها واقع وإحساس كبيران ومختلفان، والأغنية الوطنية التي تترجم كلماتها لحناً وغناءً تجد طريقها إلى النفوس والقلوب، ربما تلامس الطريق إلى القلوب وتختصره". فيما ردّ الصباري قائلا: "الشعر مثل النسيج الذي تتواشج خيوطة لتصنع منه ثوبا جميلا مطرزا بألوان البهاء والألق والجمال، والمهم فيه أكثره جذبا وتأثيرا وصدقا".

 

قصيدة (تصنع الحدث)!

 

"قصيدة وطنية تعيش اللحظة، وتشارك المواطنين فرحتهم واحتفالهم". لقد أوجز بهذه الكلمات الدكتور خميس متحدثا عن أحدث إسهامه في هذا العيد الوطني الثاني والخمسين المجيد. هكذا هم الشعراء، يتعلقون بوطنهم مستثمرين كل مناسبة مبهجة فيه. فيما عبّر الصقري عن ذلك بقوله: "جديدي هو قديمي. تبقى القصيدة الوطنية حاضرة حتى وإن كانت قديمة، فأنا أمتلك الامتنان والحب العظيمين لهذا الوطن العظيم، ومكانتهُ المختلفة للقصائد التي كتبتها لا أجد لها عمراً محدداً؛ إذ تبقى كما هي ويبقى القديم مثلما هو، كما قال الجواهري: "وقائلة أمامك من جديد *** أقول لها القديم هو الجديد".

 

 

"وتجلّت لي عُمان"

 

استحقت قصيدة "وتجلَت لي عمان" للشاعر هشام الصقري إدراجها في منهج وزارة التربية والتعليم للغة العربية للصف السابع الأساسي، فقد تميّزت بحسن مبناها وقوة معناها، وما تحمله في أبياتها من مشاعر وطنية تربوية. يقول الدكتور الصباري: "من القصائد التي لا أمل سماعها قصيدة (وتجلت لي عمان)؛ لأنها ملأى بمشاعر الوطنية، تحتفل بالوطن بكل مضامينه وقيمه. وهذا اللون من الشعر يغرس في الناشئة قيم الانتماء والولاء والوفاء، فهو جدير أن يدرس، وحقيق بأن يمازج روح المواطن منذ نعومة أظافره". فيما يعرّج الصقري على قصيدته هذه بقوله: "نحن بحاجة إلى غرس هذه القيم الوطنية والانتماء إلى هذا التراب؛ طبعاً العائلة لها دور كبير في هذا الأمر، ولكن تبقى لتلك القصيدة الوطنية القوة والمكانة كي تؤثر بها على الإنسان، فكلما كانت القصيدة الوطنية حاضرة في المناهج الدراسة كان تأثير ذلك على الناشئة أكبر، إذ تبقى مختزنة في قلوبهم وعقولهم تعظّم مكانة هذا الوطن، وتضع له الشأن الذي يستحقه".

 

للشعر الوطني (عُنوان)

 

سألنا الشاعرين الصباري والصقري فيما لو اشتغلا على قصائدهما الوطنية وجمّعاها في ديوان واحد ماذا سيكون عنوان الديوان؟! قال الأول: "سيحمل اسما يشف عن الولاء والوفاء، أو رمزا يدل على الحب والانتماء لكل ذرة في هذا البلد المجيد، والتفكير في إصدار ديوان مأمول بتوفيق الله تعالى". وأردف الثاني: "واحد من العناوين التي تلامس قلبي (عُمان) ويكفي أن تكون عُمان أو وتجلت لي عُمان عنوانا لديوان شعر بنزعة فنية بلاغية، فعُمان تجد البلاغة في ذاتها".

 

 

وطنية القصيدة (والآخر)

 

نتساءل عن وضع القصيدة الوطنية العمانية في الأدب العربي والتراث الغربي، ومدى أهمية ظهورها وانتشارها من هذه الطريقة، يقول الصباري: "للأسف معظم الأدب العماني القديم غير حاضر بين أيدينا، ولكن قد يقرأ الباحث في بعض ألوان الأدب ما يستشف به محبة الأوطان، والذود عنها، والتغني بأمجادها. أما في الحديث فيظهر الشعر الوطني بجلاء وقد يشكل وحدة موضوعية تنطلق فيها القصيدة من أولها إلى منتهاها على إيقاع الوطنية. ويبدو هذا في الإصدارات الكثيرة للكتب والدواوين والمجلات". وقد أوجد الصقري حلا مؤقتا لذلك، بقوله: "حضور القصيدة الوطنية مهم جدا، مثال ذلك فيما إذ يكون لها مسابقة تخصها وتسلط الضوء عليها، ويكون التركيز والاهتمام منصبين على بوتقتها. ذلك أدعى لتكون القصيدة الوطنية حاضرةً في نفوس الناس وقلوبهم، إذ نجدهم متطلعين لاستماع القصيد الجديد في هذا المجال".

 

القصيدة الوطنية (ميزان الرحابة والتحدي)!

 

الموروث العماني موروث زاخر، قد تلامس بعض فنونه البسيطة شغاف الناس؛ لتصنع في نفوسهم تأثيرا جميلا؛ لذا تقبله المجتمع، واستطاع به نقل القصيدة الوطنية إلى آفاق أرحب. فيما بقت تحديات القصيدة الوطنية في بعض مكامنها، يذكر الصقري بعضا منها بقوله: "يكمن التحدي الكبير دائمًا في كتابة هذه القصيدة، وأنا من الأشخاص الذين يدخلون ربما في كتابة أكثر من خمسة مطالع وأتراجع عنها حتى أصل إلى المطلع الذي يناسب هذه القصيدة الوطنية. أحيانا أكتب قصيدة كاملة وفي النهاية أكتشف أنها لا تليق ولا ترقى إلى مكانة هذا الوطن وعظمته ... لذلك أجد صعوبة بالغة في التعبير عن حبي لوطني". بينما يقول الدكتور الصباري: "حسب رأيي الشخصي الأدب الوطني أساس له أهمية كبيرة. ويجب إفساح المجال لظهوره جنبا إلى جنب العلوم الفقهية والفكرية؛ لأن حب الأوطان من الإيمان".




إرسال تعليق عن هذه المقالة