رحلة الكتاب العُماني ... وجامعة نزوى في قلب المشهد الثقافي العربي
مكتب النشر
في كل مرة يخرج فيها كتاب من جامعة نزوى إلى فضاء ثقافي واسع، تُكتب صفحة جديدة في سجل هذا الصرح الذي آمن منذ تأسيسه بأن المعرفة ليست جدرانًا تُقام، ولا قاعات تُشيّد، بل روح تتحرك وتتنقل، وتفتح لنفسها مكانًا بين القرّاء والباحثين. ومن هنا تحولت جامعة نزوى إلى حاضنة لإنتاج معرفي يحتفي بالبحث، ويؤمن بقدرة الكتاب على صناعة الأثر، وتشكيل الوعي، وتعزيز الهوية العلمية والأكاديمية.
ولعلّ أحدث فصول هذه الرحلة ما شهدته الجامعة هذا العام، حين رافقت كتب مكتب النشر وزارة الإعلام العمانية في تنقلها من معرض إلى آخر، لتصل هذه المرة إلى معرض الكويت الدولي للكتاب 2025؛ ثاني أكبر معرض للكتاب في الوطن العربي بعد معرض القاهرة الدولي للكتاب. وحضور الكتاب العُماني في هذا الفضاء الثقافي الواسع لم يكن مجرد مشاركة شكلية، بل كان ترجمة حقيقية لتمكين الإنتاج البحثي للجامعة، وتعزيز حضورها في خارطة الثقافة العربية. فالمعرض بما يحمله من ثقلٍ تاريخي ومكانة عربية وازنة يشكّل منصة تُعرّف القارئ العربي بالعمق العُماني في المعرفة، وتُبرز الجهود التي تستثمر في البحث العلمي، وتعطي للكتاب مكانه الذي يستحقه.
حضور يتجدد
إن انتقال كتب جامعة نزوى بين المعارض العربية ليس حراكًا لوجستيًا فقط؛ إنما رحلة ثقافية ممتدة تُعيد تعريف دور الجامعة كونها مؤسسة منتجة للمعرفة، لا مجرّد مؤسسة تعليمية. وهنا كتاب الجامعة يتحوّل إلى (سفير) يروي قصة المكان، ويقدّم صورة عن الجهود البحثية، ويعكس خطّ الجامعة في تطوير العلوم، والحفاظ على الهوية، والانفتاح على الأسئلة المعرفية الجديدة.
وفي سياق متصل يعكس الرؤية نفسها للجامعة تجاه الكتاب والمكتبة، حضرت مكتبة جامعة نزوى في البرنامج العلمي والزمني للمؤتمر السنوي السادس والثلاثين للاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات (AFLI)، الذي تستضيفه مكتبة قطر الوطنية في الفترة من 23 إلى 25 مارس 2025. هذا المؤتمر، الذي يُعد حدثًا محوريًا في عالم المكتبات والمعلومات، يمثّل ملتقى للخبراء والمفكرين والمهنيين من مختلف البلدان العربية، ويكشف عن تطور القطاع ودوره في التحوّلات المعرفية والرقمية.
ومشاركة مكتبة الجامعة في هذا المؤتمر تأتي في سياق طبيعي لرحلة طويلة من التأسيس والتحديث والتطوير. فهي مكتبة لا تؤدي دورها التقليدي في الإعارة وتنظيم المجموعات فحسب، بل تحولت إلى منصة معرفية تعزّز البحث العلمي، وتتبنّى التحول الرقمي، وتشارك في القضايا الكبرى للعالم المعاصر. ويكتسب هذا الحضور بُعدًا أكبر حين نعلم أن المؤتمر شهد تكريم الرواد وتدشين خمسة إصدارات علمية جديدة، في مشهد يعكس اعترافًا عربيًا متجدّدًا بأهمية المكتبات في صناعة الوعي العلمي، وتعزيز الذاكرة الثقافية، ودعم حراك النشر.
أثر النشر وقيمة المكتبة
أما إذا كان الكتاب هو نبض المعرفة، فالمكتبة هي القلب الذي يضخّه، وبهذه الصورة تتكامل قصة الحدثين:
فكتب الجامعة تنتقل بين معارض الوطن العربي، تحاور القارئ وتعرض خلاصة فكر الباحثين؛ فيما مكتبتها تشارك في مؤتمرات كبرى تناقش مستقبل المعلومات وموقع المكتبات في عصر الرقمنة. إنها رحلة متصلة تبدأ من الورقة وتنتهي بالنظام المعلوماتي، تبدأ بمؤلفٍ يكتب بحثًا، وتصل إلى منصة إقليمية تناقش مستقبل المعرفة نفسها.
والقضيتان، على اختلاف ظاهرهما، تنطلقان من جذر واحد: إيمان جامعة نزوى بأن الثقافة ليست فعالية عابرة، بل مشروع ممتد. مشروع يحفظ للكتاب مكانته، وللمكتبة دورها، وللباحث صوته، وللقارئ حقه في الوصول إلى المعرفة. فحين تمضي كتب الجامعة في رحلة عربية واسعة، وحين تقف مكتبتها على منصة مؤتمر عربي رفيع، فإن الأمر لا يتعلق بمشاركتيْن منفصلتيْن؛ بل برؤية ثقافية شاملة تُعيد تشكيل المشهد المعرفي للجامعة، وتضعها في قلب الحراكين الأكاديمي والثقافي العربي.
وهكذا تتكامل اللوحة: كتاب ينتقل، ومكتبة تشارك، ومعرفة تتسع، وجامعة تكتب حضورًا جديدًا في سجلات الثقافة العربية. هذه هي قصة جامعة نزوى مثلما ينبغي أن تُروى: مؤسسة تؤمن بأن المعرفة فعل مستمر، وحضور الكتاب هو حضور الوطن، والمكتبات هي الذاكرة التي لا تنطفئ.