السنة 20 العدد 194
2025/11/23

خطوات على الطريق (3)

لغة جديدة للحياة: من التلقي إلى البحث

 

 

إعداد: سعود بن ناصر الصقري

 

في المرة الماضية، توقّفنا عند الصداقة بوصفها جسرًا يخفف رهبة الجامعة ويمنح الطريق دفئه الإنساني. لكن ما أن يستقر الطالب قليلًا في مكانه الجديد حتى يكتشف أن التحدي الأكبر لم يبدأ بعد. فالجامعة لا تكتفي أن تمنحك مقعدًا وصديقًا، بل تطلب منك أن تتحدث لغة جديدة للحياة: لغة البحث والسؤال.

 

من الصف إلى القاعة: التحول الأول

في المدرسة، اعتدنا أن نفتح الكتاب حيث يحدد لنا المعلم، أن نستمع، أن ندوّن، ثم نستعد لامتحان يختبر قدرتنا على الحفظ. في الجامعة، وبخاصة في السنة التأسيسية بجامعة نزوى، نكتشف أن هذا النموذج لم يعد كافيًا. لم يعد الأستاذ يسأل: "ماذا حفظت؟"، بل: "ماذا فهمت؟ ماذا أضفت؟ وكيف وصلت إلى هذه النتيجة؟"
هنا يبدأ الطالب في إدراك أن التلقي لم يعد كافيًا، وأن عليه أن ينتقل من عقلية المستمع إلى عقلية المشارك والباحث.

 

السؤال مفتاح المعرفة

الجامعة لا تعطي الإجابات الجاهزة، بل تفتح الباب للأسئلة. من يسأل، يتعلم. ومن يكتفي بالصمت، يبقى خارج الدائرة.
أجمل ما في التجربة الجامعية أن الطالب يُدرك أن السؤال ليس علامة ضعف، بل دليل وعي. فكل مشروع بحث صغير، وكل ورقة عمل، وكل نقاش في القاعة، ما هو إلا تمرين على هذه اللغة الجديدة: لغة السؤال.

 

المكتبة: أكثر من كتب على رفوف

حين يدخل الطالب مكتبة جامعة نزوى أول مرة، يظن أنه في مكان كبير للقراءة فقط. لكن بعد وقت قصير، يدرك أن المكتبة هي مختبر الأفكار. هنا يتعلم كيف يبحث عن المصادر، كيف يميّز بين الرأي والمرجع، وكيف يقرأ لا ليحفظ، بل ليبني على ما قرأ. المكتبة في الجامعة أشبه ببوصلة: تقودك إلى حيث يجب أن تبدأ، لكنها لا تحدد لك إلى أين تنتهي.

 

بين التلقي والبحث: قصة شخصية

كم من طالب دخل الجامعة وهو يظن أن نجاحه مرهون بقدرة ذاكرته، فإذا به يكتشف أن النجاح الحقيقي مرهون بقدرة عقله على الربط والتحليل. أحد طلبة جامعة نزوى ذات مرة قال لي: "تعلمت في سنتي التأسيسية أن أقرأ السؤال بقدر ما أبحث عن الجواب؛ فالجواب قد يتغير، أما السؤال فهو الذي يفتح الطريق".
بهذه الروح، تتحول المقررات الجامعية من "مواد دراسية" إلى مسارات تفكير، وتصبح المحاضرة نقطة انطلاق، لا خط نهاية.

 

لغة البحث.. لغة المستقبل

من يتعلم لغة البحث في الجامعة، يتعلم لغة الحياة. فالمستقبل، أيًا كان تخصصك، لا يحتاج إلى حافظين للمعلومات، بل إلى صانعي معرفة، إلى من يسألون: كيف؟ ولماذا؟ وماذا بعد؟
وهذا ما تحرص عليه جامعة نزوى، حين تجعل الطالب منذ بداياته يمارس البحث، يكتب، يناقش، ويعرض أفكاره. إنها تهيئه ليكون أكثر من متخرج يحمل شهادة، بل إنسانًا قادرًا على الإسهام في المجتمع بمعرفة واعية ومسؤولة.

 

خاتمة: بداية الطريق الحقيقي

قد تكون رهبة البداية أول عقبة، وقد تكون الصداقة أول مكسب؛ لكن اكتشاف لغة البحث هو اللحظة التي يبدأ عندها الطريق الحقيقي. حين يتعلم الطالب أن يسأل ويبحث ويصنع معرفته بنفسه، يدرك أنه بدأ رحلة لا تنتهي مع التعلّم.
وهكذا، يجد في جامعة نزوى أكثر من مكان للدراسة؛ يجد مدرسة للحياة، تعلّمه أن التلقي بداية، وأن البحث غاية، وأن الطريق كله رحلة سؤال.

إرسال تعليق عن هذه المقالة