السنة 20 العدد 194
2025/11/20

احتفاء بنماذج طلابية أبدعت...

مترجمٌ شاب يكتب شغفه ويصنع مساره بين المعرفة والإبداع

 

أعدّه: محمد القرني

 

في إطار ما تحرص عليه إشراقة من إبراز النماذج الطلابية المتميزة في جامعة نزوى وتسليط الضوء على إنجازاتهم وتجاربهم، كان لنا هذا اللقاء مع الكاتب والمترجم محمود السعدي، الذي استطاع أن يجمع بين المعرفة الأكاديمية الرصينة والموهبة الأدبية الرفيعة. فقد حدثنا عن مسيرته مع الكتابة، وبداياته الأولى، والمصادر التي استمد منها إلهامه، وصولًا إلى تجربته في تأليف روايته التي تمثل ثمرة شغفه وجهده وتطلعاته الأدبية.

ولم يقتصر حوارنا معه على الجانب الشخصي فقط، بل تطرق أيضًا إلى رؤيته في دعم المواهب الشابة داخل المجتمع الجامعي، وأهمية وجود بيئة حاضنة ترعى الإبداع وتفتح أمام الطلبة آفاقًا أوسع للتطوير وصقل القدرات. ويأتي هذا اللقاء ليمنح القراء نافذة للتعرف عن قرب على شخصية طلابية مبدعة جمعت بين الفكر العملي والخيال الأدبي؛ ولتشكل بدورها قدوة مُلهمة لكل من يسعى إلى أن يشق طريقه في عالم الكتابة والإبداع اعتمادًا على الخبرة والتجربة.

 

بدايةً عن عرفنا بنفسك ومسارك الأكاديمي؟

أنا محمود السعدي، مترجم ومدقق لغوي في أكاديمية نزوى للتدريب والتطوير. خريج هندسة ميكانيكية في كلية الحرس السلطاني العماني، وحاصل على الدبلوم العالمي من جامعة كامبردج البريطانية، بالإضافة إلى بكالوريوس لغة إنجليزية وترجمة من جامعة نزوى. بجانب مساري الأكاديمي، لطالما وجدت نفسي أقرب إلى الأدب والكتابة، إذ أعدّ الكلمة وسيلتي للتعبير عن الأفكار والتجارب الإنسانية.

وعن بداياته في الكتابة، أضاف: "بدأت علاقتي مع الكتابة منذ أيام الدراسة، عندما كنت أدوّن خواطر قصيرة ومحاولات شعرية بسيطة. ومع مرور الوقت وتراكم التجارب، أصبحت الكتابة أكثر من مجرد هواية، بل حاجة داخلية للتعبير والبحث عن المعنى".

وأشار إلى أن الدعم الذي تلقاه منذ البداية كان أساسياً في مسيرته، بقوله: "الداعم الأول كان عائلتي، الذين شجعوني دائمًا على تنمية هذه الموهبة. كما أن بعض الأصدقاء المقربين كانوا أول من قرأ محاولاتي الأولى، وكانوا صادقين في نقدهم وداعمين في الوقت نفسه".

 

وقتما تصبح الكلمة نافذة على الذات والإنسان

أما عن إصداراته وأبرزها رواية "رماد" وسبب التسمية، فقال: "قبل رواية رماد، أصدرت باكورة أعمالي الأولى وأطلقت على الكتاب اسم "مُهجة". وبعدها جاءت رواية رماد التي تحكي عن الإنسان عندما يمر بتجارب قاسية تترك داخله ندوبًا تشبه الرماد؛ بقايا من نار مشتعلة. اخترت هذا العنوان لأنه يعكس حالة التحول التي يمر بها الأبطال، فبين الرماد دائمًا فرصة لولادة جديدة، تمامًا كما ينهض العنقاء من رماده".

وأضاف عن الرسالة التي أراد إيصالها: "الرسالة الأساسية هي أن الألم مهما كان عميقًا يمكن أن يتحول إلى قوة تدفعنا للنهوض من جديد. أردت أن أوصل للقارئ أن الهزائم ليست نهاية المطاف، بل قد تكون بداية جديدة مختلفة".

حين تجد من يفتح لها بابًا… تكمل الطريق وحدها

تطرقنا أيضًا إلى مصدر إلهامه في الكتابة، فقال: "الإلهام جاء من تجارب شخصية وتأملات في قصص أشخاص من حولي. كنت أراقب كيف يتعامل الناس مع الخسارات والآلام، وكيف يحاولون إعادة بناء حياتهم، وهذا ما ولّد فكرة الرواية".

ولأن كتابة الرواية كانت رحلة طويلة مليئة بالتحديات، أوضح السعدي: "الرحلة لم تكن سهلة؛ فقد استغرقت حوالي سنة بين الكتابة والمراجعة وإعادة الصياغة. أحيانًا كنت أتوقف لأسابيع لأعيد التفكير في مسار الأحداث، وأحيانًا كنت أكتب صفحات متتابعة بلا توقف. كانت رحلة مليئة بالتحديات لكنها علمتني الكثير عن نفسي وعن الصبر".

أما أبرز التحديات، فكان إيجاد التوازن بين العمل الأكاديمي والكتابة: "أكبر تحدٍ كان إيجاد التوازن بين عملي والكتابة. كذلك إعادة صياغة الأحداث بطريقة شائقة ومنطقية تطلب مني جهدًا كبيرًا. إضافة إلى ذلك، كان عليَّ أن أتغلب على لحظات الشك التي تراود أي كاتب ناشئ: هل سيجد القارئ ما أكتبه ذا قيمة؟"

وحول الروائيين والكتّاب الذين تأثر بهم، قال: "تأثرت كثيرًا بالروائي نجيب محفوظ، وبالكتابات الفلسفية لباولو كويلو. أيضًا بعض الكتاب العرب المعاصرين ألهموني بقدرتهم على المزج بين الواقع والخيال بسلاسة".

 

له حكاية تنتظر أن تُكتب

وعن المشاريع القادمة، كشف السعدي عنها بقوله: "لدي مشروع جديد ما زلت في طور الكتابة فيه، يتناول موضوع البحث عن الهوية في ظل التغيرات السريعة التي يعيشها جيلنا. بالإضافة إلى ذلك، أعمل على مجموعة قصصية قصيرة أطمح أن ترى النور قريبًا".

وفي أثناء الحوار وجه السعدي نصيحة للطلبة الموهوبين إذ قال: "نصيحتي أن يبدأوا فورًا، حتى لو بكلمات بسيطة. الكتابة مثل أي مهارة لا تتطور إلا بالممارسة. لا تنتظروا اللحظة المثالية أو الفكرة العظيمة، بل اكتبوا الآن ودعوا النص ينمو معكم. والأهم أن تتحلوا بالشجاعة لمشاركة ما تكتبون مع الآخرين، فالتجربة الحقيقية تبدأ حين يقرأ الآخرون كلماتكم".

ويُعد محمود السعدي نموذجًا حيًا في كيف يمكن للطلبة الموهوبين في جامعة نزوى أن يجمعوا بين التخصص الأكاديمي والشغف الأدبي، وأن يخلقوا مساحة للتعبير الشخصي والإبداعي، في الوقت الذي يسهمون فيه في تعزيز الوعي الثقافي والأدبي داخل المجتمع الأكاديمي. ويأتي هذا الحوار مع إشراقة ليكون مصدر إلهام لكل موهوب شاب أو طالب يسعى إلى اكتشاف ذاته وتطوير مهاراته، مؤكّدًا أن الكتابة ليست مجرد كلمات على ورق، بل رحلة طويلة من الصبر والتجربة والتعلم المستمر.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة