هنا بدأت الحكاية… وهناك وُلدت الطموحات
تحرير: عـزا الحبسية
في ركنٍ من أركان الذاكرة، تبقى أيام الجامعة حاضرة لا تغيب، تفوح منها رائحة الطموح، وتزدان بمواقف لا تُنسى وأصدقاء تركوا بصماتٍ لا تمحوها الأيام. في "ذكريات خريج" نحاور اليوم إحدى بنات جامعة نزوى اللاتي حملن بين جنباتهنّ الإصرار وحبّ العلم، فَصغنَ من أيام الدراسة رحلة عامرة بالإنجاز والتحدي. ضيفتنا اليوم هي أحلام بنت سالم الحاتمية، ابنة ولاية عبري، خريجة في جامعة نزوى، ومعلمة مجال ثانٍ في ولاية صلالة. فتحت لنا صفحات من ذاكرتها لتحدثنا عن محطات دربها الجامعي، وعن أثر تلك التجربة في حياتها العلمية والإنسانية.
-
بداية هل لك أن تعرفنا بنفسكِ ونشأتكِ؟
أحلام بنت سالم الحاتمية، خريجة في جامعة نزوى، حاليا أعمل معلمة مجال ثاني في ولاية صلالة بمحافظة ظفار، ولدت في محافظة الظاهرة في ولاية عبري تحديدا.
-
كيف كانت رحلتُكِ في جامعة نزوى حتى تخرجُكِ فيها؟ وحدثينا عن مشروعك ومراحل العمل عليه؟
التحقت بجامعة نزوى عام 2022 وتخرجت عام 2025، وكانت رحلتي فيها من الرحلات المميزة التي تركت أثرًا عميقًا في حياتي. فقد كانت البداية مليئة بالجد والاجتهاد والسعي المستمر لرفع معدلي الأكاديمي والوصول إلى مرتبة الطلبة المجيدين.
بذلت قصارى جهدي لتحقيق المعدل المطلوب، رغم ما واجهته من صعوبات وضغوط دراسية. لم تكن الصعوبة في المقررات بحد ذاتها، بل في كمية الحفظ والمعلومات والفهم التي كان علينا اكتسابها في فترة زمنية قصيرة، إلى جانب التحديات في الاختبارات التي تطلبت مني صبرًا ومثابرة. ومع ذلك، بفضل الله وتوفيقه، تجاوزت تلك التحديات بالجد والاجتهاد حتى وصلت إلى ما أطمح إليه. وشاركت في فترة دراستي في نشاط الإجازة القرآنية، وهو من الأنشطة التي كان لها أثر بالغ في حياتي، فقد اكتسبت منه قيمًا تربوية ومهارات نافعة، وتعلمت أهمية العطاء والالتزام.
كنت أشارك في الحلقات الفجرية التي تعلّمت فيها التلاوة الصحيحة من الجانبين النظري والعملي؛ مما أسهم في تطوير تلاوتي وصقل شخصيتي. لقد كان لجامعة نزوى الفضل – بعد الله سبحانه وتعالى – في أن أتعلم وأكتسب تلك المعارف والقيم، وأن أنضج فكريًا وروحيًا ومهاريًا؛ لتصبح هذه المرحلة من أجمل مراحل حياتي التعليمية وأقربها إلى قلبي.
-
ماذا أضافت لك جامعة نزوى إلى جانب البعد الأكاديمي التعليمي؟

جامعة نزوى كانت من التجارب التي لا تُنسى، فقد تركت في نفسي أثرًا عميقًا وأسهمت في تشكيل شخصيتي نحو الأفضل. تعلمت في هذه المرحلة الكثير من الخبرات والمعارف التي أثّرت فيّ على الصعيدين الشخصي والنفسي، فصرت أكثر نضجًا وثقة بنفسي. وكانت تجربة الدراسة في الجامعة غنية أكاديميًا ومهاريًا، إذ اكتسبت منها مهارات متنوعة ساعدتني في حياتي الاجتماعية والمهنية. ومن الجوانب المضيئة في رحلتي مشاركتي في الأنشطة الطلابية، مثل نشاط الإجازة القرآنية، الذي أسهم في تطوير قدراتي وتنمية قيم الالتزام والتعاون والعطاء.
-
استرجع معنا ذكرياتك في الجامعة على مدار أعوام الدراسة ... الأساتذة والمناهج وطلبة العلم والفصول الدراسية وغير ذلك من ذكريات؟
لقد كان معلمو جامعة نزوى مثالًا في الاحترافية والمسؤولية، فهم أصحاب علمٍ واسع وخبرة كبيرة في تخصصاتهم. تميّزوا بإلمامهم العميق بالمناهج الدراسية، وبقدرتهم على إيصال المعرفة بأسلوب شائق وواضح. كما كانوا متعاونين ومتفهّمين لظروف الطلبة، يقدّرون ما نمرّ به من ضغوط، ويتغاضون عن بعض الأخطاء بحكمة ورحمة، الأمر الذي جعلنا نكنّ لهم كل الاحترام والتقدير.
لقد تعلمت منهم الكثير، ليس فقط علمًا، بل أيضًا قيمًا تربوية وإنسانية سأحتفظ بها مدى الحياة. أما عن صديقات السكن والجامعة، فكان لهنّ الأثر الأكبر في حياتي الجامعية، فقد كنّ سندًا نفسيًا ومعنويًا لي في أوقات الضغط والتعب. كنا نتعاون ونتشارك كل ما يخفّف عنّا ضغوط الدراسة، ونتبادل النصائح والدعم بروحٍ أخوية. وأخصّ بالذكر صديقتي الغالية فاطمة الشهومية، التي كانت قدوة لي في الصبر والتحمّل، وفي الابتسامة رغم الظروف. كانت مصدر إلهامٍ لي، وأختًا قبل أن تكون صديقة. وجودها في حياتي كان نعمة عظيمة لا تُنسى، وستبقى ذكراها وسامًا أعتزّ به في صدري والله لا أقول ذلك مجاملة بل صدقا.
كذلك كانت لي زميلات رائعات في الجامعة، تعاونّا وتعلّمنا من بعضنا بعضا، سواء في نشاط الإجازة القرآنية أم في القاعات الدراسية أم في السكن الجامعي. لقد كنّ جميعهنّ صحبة صالحة ودعمًا معنويًا لا يُقدّر بثمن، وأدعو الله أن يجزيهنّ خير الجزاء على كل ما قدمنه من حب ومساندة.
-
بالطبع يراودك الحنين إلى الجامعة، صف لنا هذه المشاعر الجياشة؟!
نعم، كثيرًا ما يراودني الحنين إلى تلك الأيام الجميلة في جامعة نزوى؛ إلى ممرات الجامعة التي شهدت خطواتنا المليئة بالطموح، وإلى زملاء الدراسة الذين شاركونا لحظات الجدّ والمرح، وإلى أصدقاء السكن الذين كانوا لنا أهلًا وسندًا.
أشتاق إلى الحلقات الفجرية التي كنا نحرص على حضورها كل صباح، نستفتح بها يومنا بتلاوة القرآن وتعلّم أحكامه، فكانت تبعث فينا الطمأنينة والنور. وأشتاق إلى القاعات الدراسية وإلى المعلمين الطيبين الذين تركوا في نفوسنا أثرًا لا يُنسى بعلمهم وطيبة قلوبهم. وأحنّ كذلك إلى الفعاليات الجامعية التي كنا نشارك فيها بكل حماس، وإلى الأنشطة الطلابية التي كانت تُقام في قاعة الشعباء وقاعة المشارق، التي استفدنا منها كثيرًا مما قدمه موظفو الجامعة من ورش وبرامج قيّمة.
وتجربتي في جامعة نزوى كانت مليئة بالدروس، بالذكريات، وبالأشخاص الذين تركوا في حياتي أثرًا جميلًا لا يُمحى. لقد كانت تلك المرحلة جزءًا لا يُنسى من رحلتي التعليمية.
-
شخصيات ما زالت عالقة في ذهنك حتى اليوم ومواقف لا تنسى يمكنك سردها لنا؟
بالنسبة لي، الشخصية التي لا تزال عالقة في ذهني هي صديقات السكن، وخصوصًا: فاطمة، وشذا، وشهد، وابتهال، وروان، وبسمة، ومهيلة. هؤلاء الأشخاص كان لهم دور كبير في تخفيف الضغوط علينا وفي دعمنا في أوقات التعب والشدّة. كانوا سببًا في رسم الابتسامة على وجوهنا، وإدخال السرور والسعادة، وخلق جو مختلف مليء بالحب والتعاون. حقًا، إنهم أصدقاء مثلما يقول المثل: "أصدقاء وقت الشدة". وأنا ممتنة لهم جدًا لما قدموه لي من دعم وحب، وأتمنى أن أستطيع رد جزء بسيط مما أسعدوني به في المستقبل.
-
كيف علاقتُك بالجامعة حاليًا؟
علاقتي بجامعة نزوى لا تزال علاقة تقدير وامتنان، فهي المكان الذي تعلمت فيه الكثير واكتسبت منه الخبرات التي ساعدتني في حياتي العملية. لا زلت أعتز بانتمائي لها وأتواصل أحيانًا مع بعض أساتذتي وصديقاتي.
-
ما نصيحتك لطلبة العلم في الجامعة؟
أولًا، أنصحهم بأن يجعلوا نية التعلم نصب أعينهم، مثلما قال رسول الله ﷺ: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة". فالتعليم نعمة عظيمة يغبطها كثيرون، وفرصة لا تُعوّض. عليهم استثمار هذه الفرصة في تطوير مهاراتهم العلمية والشخصية، والعمل على تعزيز قدراتهم الأكاديمية والاجتماعية على حد سواء. فالجامعة ليست مكانًا لتلقي العلم فقط، بل مكان خصب لتشكيل شبكة من العلاقات الاجتماعية، سواء بين الطلبة أنفسهم أم بين الطلبة والمعلمين. أيضًا أن الجامعة تُعد أرضًا خصبة لتطوير الشخصية واكتساب المهارات الحياتية. عليهم أن يجعلوا هذه المرحلة ذكرى لا تُنسى في حياتهم، مليئة بالجد والاجتهاد، والمشاركة، والتعلم المستمر؛ لتخرجوا منها أقوى وأكثر نضجًا واستعدادًا لمواجهة تحديات المستقبل.