قراءات طلابيّة في روايات عُمانية وعربيّة وأجنبيّة (1)
في كتابه «ست نزهات في غابة السرد» يقيم أمبرتو إيكو صلةً بين مفهوم «الغابة» وعالم السرد، ولا سيّما الرواية. تقوم هذه الاستعارة على ما يتيحه النّص الروائي من عوالم تخييلية متشابكة، محكومة باستراتيجيات سردية متنوّعة، تجعل القارئ مطالبًا بتعلّم كيفيّة الدخول إلى «الغابة»، والتجوّل في مسالكها، والكشف عن مخبوءاتها، بغية تجاوز المألوف وسط فضاء بلا خرائط محدّدة، كما يصف إيكو.
وقد اعتاد طلبة تخصص اللغة العربية في مقررات الأدب والنقد بالجامعة أن يتجوّلوا في «غابات الرواية» العُمانية والعربية والعالمية، وأن يقدّموا أعمالًا أرى أن بعضَها يصلح أن يكون نواة لِمقالات نقدية موسّعة.
يدرس هؤلاء الطلّبة، في إطار مقررات النقد الحديث، مناهج نقدية متنوّعة؛ منها المنهج التاريخي، والنّفسي، والاجتماعي، إضافة إلى البنيوي والسيميائي وبعض التصوّرات التداولية وتحليل الخطاب. وتأتي هذه القراءات التي يقدّمها طلبة مقرر «مدخل إلى النقد الأدبي» (صيف 2025) بوصفها محاولات نقدية أوليّة، رأيت من المناسب تشجيعهم على نشرها.
د. مريم البادية
أستاذ مساعد النقد الحديث، قسم اللغة العربية
قراءة في رواية «تغريبة القافر» للكاتب زهران القاسمي
تتناول رواية «تغريبة القافر» للروائي العُماني زهران القاسمي قصة "سالم"، الذي يولد في ظروف مأساوية؛ إذ تفقد والدته حياتها غرقًا في بئر بعد ولادته. يتم تربيته من قبل كاذية وآسيا اللتين احتويتاه منذ ولادته. يظهر لدى سالم منذ طفولته قدرة استثنائية تمكنه من استشعار مواقع المياه في باطن الأرض؛ ليصبح "قافرًا" يبحث عن منابع الأفلاج، تلك المصادر التي تشكّل أساس الحياة في القرى العُمانية. تتطور أحداث الرواية في أجواء تجمع بين الغرائبية والواقعية، إذ يتجلى سالم كونه شخصية تربط البشر بالطبيعة، مع التركيز على عنصر الماء الذي يُقدَّم كونه شخصية حية تحتاج إلى قرابين للحفاظ على عطائها المستمر.
الرواية لا تكتفي بجعل سالم الشخصية المركزية؛ لكنها تمنح الشخصيات المحيطة به أدوارًا بارزة في عملية السرد. نساء القرية، العمة كاذية، ووالده عبد الله، يظهرون رموزًا تعكس إنسان الريف العُماني الذي يتعايش مع الطبيعة بسلام في بعض الأحيان، بينما يشعر بخوف عميق منها في أحيان أخرى. وكانت وفاة والد سالم في أثناء التنقيب عن ماء الفلج تضيف عمقًا رمزيًا لفكرة أن الماء في الرواية لا يمثل نعمة خالصة، بل يتداخل معه عنصر التضحية، مبرزة العلاقة المعقدة بين الإنسان والطبيعة.
لا تقتصر الرواية على سرد قصة رجل ذي قدرة خارقة، بل تسلط الضوء أيضًا على تفاصيل الحياة اليومية في القرى العُمانية، بما تحمله من طقوس ومعتقدات وأساطير متوارثة. من ذلك أسطورة "أم الصبيان" المتهمة بخطف الأطفال، وجنّيات يُعتقد أنهن يحرسن المياه الجوفية. هذا التداخل بين الواقعي والأسطوري يُضفي جاذبية خاصة على العمل ويمنحه طابعًا محليًا أصيلًا.
على المستوى الفني، تميزت الرواية باستخدام لغة رصينة ودقيقة، مدعومة بحوارات باللهجة المحلية؛ مما عزز من عمق السرد وأصالته. كما اعتمدت بنية الرواية على تعددية الأصوات والحكايات، وهو ما أضفى عليها غنى دلاليًا مع الحفاظ على الترابط والإيقاع. ومع ذلك، يمكن أن يُلاحظ عليها أن انغماسها في تصوير البيئة الزمانية والمكانية وأسطرة الماء قد طغى إلى حد ما على تطور الشخصيات وجعل بعضٌ منها يبدو وكأنه مجرد أدوات لخدمة الرمزية بدلاً من تقديمها ككيانات إنسانية معقدة ومتكاملة.
تتميز الرواية بمهارتها في استخدام السرد لكشف الجوانب النفسية للشخصيات، وخاصةً في تسليط الضوء على التحولات التي تشهدها شخصية نصرا بعد اختفاء زوجها سالم. إذ تتغير من زوجة مفعمة بالتفاؤل والأمل إلى امرأة صامتة ذات تصرفات غريبة؛ مما يجسد بعمق التأثير النفسي للغموض والفقدان. هذا النهج يعزز الجانب الإنساني في الرواية، إذ نجح النص في تحقيق توازن متناغم بين الحكاية والرمزية، وبين الواقعية والعاطفية؛ مما أضفى عليه طابعًا أكثر ثراءً وعمقًا. وفي مجملها، تُعد "تغريبة القافر" عملاً سرديًا ناضجًا يعكس علاقة الإنسان بالمكان والماء بأسلوب أصيل وذكي. استطاعت الرواية أن تستثمر التراث الشعبي والأسطورة ببراعة فنية عميقة تُلهم القارئ فكريًا وتلامس مشاعره بصدق.
قراءة الطالبة: روان بنت ناصر الشرجية
قراءة في «دموع على سفوح المجد» للكاتب عماد زكي
تدور أحداث الرواية عن الفتى عصام، فتبدأ الرواية بعبارة يقولها عصام وهي "يجب أن أطرق أبواب المجد بعزم وإصرار". عصام شخصية مثابرة ونابغة فتبدأ الرواية تتحدث عن تفوق عصام في مدرسته وكيف أن الأساتذة كانوا يحاولون إعطائه مسائل صعبة لحلها. وكان عصام يفاجئهم بحلها وقدرته عليها. ينتهي عصام من الثانوية بتفوق عال وهذا ما يبهج أمه كثيرا ويفرحها، فيعود إلى أمه ببشارة نجاحه وتفوقه فتصبح أمه لديها مشاعر متلخبطة ما بين فرحها لابنها وأيضا تَتذكر أباه الذي توفي عندما كان عمر عصام ثلاث سنوات؛ فَيشعرها ذلك بالحزن وتتمنى لو أنه كان حاضرا ليرى تفوق ابنه، فيلاحظ عصام حزن والدته؛ لأنه أيضا خطر في باله والده فَيحاول أن يخفف عنها ويقول لها كلاما مفرحا ويسعدها، فهو يرى أن والدته هي أثمن ما يملك. يدخل عصام الجامعة ويختار أن يدرس مجال الطب.
تبدأ الأحداثعندما يدخل عليهم الدكتور إياد ويعطيهم محاضرة عن مرض السرطان. فَيعجب عصام بمحاضرة الدكتور إياد ويستهويه دراسة مرض السرطان وكيف أنه يؤثر في حياة الكثير من الناس، وكيف أن العلماء يحاولون أن يَجدوا له الدواء. فيقوم عصام بالتعرف أكثر عن موضوع مرض السرطان وسؤال الدكتور إياد عنه فَيعجب الدكتور إياد بمثابرة عصام وحبه للموضوع، فيقوم بأخذه معه إلى عيادته للعمل معه في العيادة. فيصبح لدى عصام طموح وشغف في أن يفتتح مركزا خاصا أو مستشفى خاصا فقط يعالج مرضى السرطان، ويكون متخصصا فقط فيه. فيبدأ عصام يحثُّ أصدقاءه على التعمق في دراسة مرض السرطان حتى يصبحوا له عونا عند تحقيق الحلم والطموح.
يتعرف عصام على ابنة الدكتور إياد فَيعجبون ببعضهم ويقررون الزواج؛ فيذهب عصام لإخبار والدته بأنه وجد فتاة أحلامه ويريد أنَّ يخطبها فتسعد والدته بهذا الخبر، ويذهبون لخطبتها له ويقررون الزواج بعد انتهائهم من الجامعة. تبدأ سنواتهم الأخيرة في الجامعة؛ ليأتي بعدها حفل تخرجهم فيفرح الجميع بالتخرج، ويكون عصام هو الأول على دفعته. فيقوم صديقه سعد بإقامة حفلة كبيرة في منزله ويدعو جميع الأصدقاء إليها. وعند انتهاء الحفلة يقرر عصام الذهاب إلى المنزل مع صديقه عرفان فَيقرران أنّ يأخذا سيارة أجرة للعودة. وفي أثناء عودتهم يتعرضان لحادث سير؛ مما يؤدي إلى موت عصام.
لا تقتصر الرواية أحداثها عن عصام فقط؛ إنما تناقش قضايا مجتمعية واقعية تحدث في مجتمعاتنا ومنها قضايا الستر والحشمة وقضايا التوعية من الأمراض وبخاصة "مرض السرطان" وقضايا حوادث السير التي أدت إلى موت عصام وقضايا الفقر وأسباب الفساد بين شباب المجتمع.
تتميز الرواية بلغة بسيطة وسهلة؛ مما يجعلها مناسبة لجميع الأعمار وأيضا ناقشت الرواية قضايا مهمة تحدث في المجتمع ومن بينها قضية حوادث السير وكيف أنه يسلب حياة الكثير من الشباب اليافعين والطموحين؛ مثل عصام، وأيضا تريد أن توصل الرواية عبرة لمن يعتبر، وهي أنَّ الحياة قصيرة، ومهما بلغ الإنسان من طموح وإنجازات؛ فإن نهايته الموت. ولكن لم تعجبني الرواية من حيث إن نهايتها مفتوحة، فعند الانتهاء من قراءتها تدور أسئلة في ذهن القارئ؛ مثلا ماذا فعلت والدة عصام بعد موته؟ وهل حقق أصدقاء عصام الحلم؟ وأيضا كانت النهاية مأساوية وحزينة جدا.
قراءة الطالبة: آلاء بنت خلف الحضرمية
قراءة في "عين على المخيم" للكاتبة ربى المقيد
تتحدث رواية عين على المخيم للكاتبة ربى المقيد عن معاناة الأسرة الفلسطينية في المخيمات الأردنية، من طريق سرد يُجسّد الصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه الفلسطيني في المخيم. تتركز أحداث الرواية عن أسرة فلسطينية تقطن أحد المخيمات الأردنية وتتألف من الأم وأبنائها "حنان ورضا والاخوة الصغار" وعلى رأسهم الابن الأكبر "عطية" الذي يشكل محور الرواية. في مقابل هذه العائلة، تظهر شخصيتان في إسطنبول تنتميان إلى جهاز الموساد الإسرائيلي وهما "تروكان" و"نتالي" اللتان تلعبان دورًا محوريًا في استدراج عطية إلى الهاوية.
تمتد الرواية حوالي 254 صفحة؛ إذ تعرض واقع المخيم القاسي من فقر وبعد عن الوطن؛ مما يدفع عطية إلى التمرد على وضعه والشعور بالدونية والعجز ويرى في الفقر ظلمًا لا يستحقه، ويحاول بشتى الطرق التخلص من المخيم وعائلته. نتيجة لذلك ينقطع عن التعليم ويقع في رفقة سيئة إلى أن تحاول والدته انتشاله من هذا المصير بإرساله إلى إسطنبول لاستكمال دراسته الجامعية آملةٌ أن يجد هناك فرصة جديدة. هناك يظن عطية أنه بدأ حياة جديدة لكنه في الواقع يدخل في فخ أعدّ له بعناية من قبل "تروكان" عميل الموساد الذي يتقرّب منه بادعاء الصداقة ويستغل هشاشته النفسية واحتياجه العاطفي والمادي.
يتعرف عطية في إسطنبول على "تروكان" رجل يبدو للوهلة الأولى أنه صاحب مطعم؛ لكنه في الحقيقة عميلا للموساد يستهدف عطية لمراقبة شقيقه "رضا" الذي يقود إحدى جماعة المقاومة الفلسطينية. يستغل تروكان نفسية ودهاء عطية وطموحه المادي وعدم استقراره العاطفي؛ لجرّه نحو التجسس لصالح إسرائيل. كما تلعب "نتالي" عميلة الموساد الأخرى دور الإغواء لتكتمل خيوط المؤامرة التي سحبت بعطية إلى الخيانة والتجسس.
أجد أن الرواية تتسم بلغة شاعرية بسيطة تتنقل بين الفصحى والعامية بأسلوب ممتع وتُوظّف تقنيات السرد مثل الاسترجاع الزمني للأحداث؛ مما يمنحها طابعًا إنسانيًا وعاطفيًا للقارئ. الرواية تفتقر للتفاصيل الدقيقة التي كانت من الممكن أن تجعل القارئ يتابع القراءة وهو متشوق للأحداث الأخرى. تحمل الرواية رسالة واضحة عن واقع الفلسطيني في المخيم، والضغوط التي قد تدفعه نحو خيارات مأساوية في ظل غياب الفقر وما يمكن أن يتعرضوا له من استغلال نتيجة غياب الأفق وانعدام الاستقرار.
إن عطية في النهاية ليس مجرد مواطن فلسطيني؛ بل هو رمز لجيل لاجئ بين الهوية والغربة انتهت حياته في الهلاك (السجن) مدى الحياة. تُعد عين على المخيم شهادة أدبية على واقع اللجوء الفلسطيني، وتحذيرًا من المصائر المؤلمة التي تنتظر من لا يجد من يحتضن ضعفه ويوجهه. فهي لا تحاكم عطية بقدر ما تفضح النظام القاسي الذي يصنع مثل هذه النهايات.
قراءة الطالبة: عذاري بنت عادل الحنظلية
قراءة في رواية "بين عهدي وقدري" للكاتبة وفاء عبدالعزيز
تُناقش رواية بين عهدي وقدري للكاتبة وفاء عبدالعزيز قضية مجتمعية حساسة تواجهها العديد من الفتيات في العالم العربي، وهي تأخر الزواج بعد سن الثلاثين. من شخصية “ريم”، تُسلّط الرواية الضوء على النظرة السلبية التي تُلصق بِالمرأة غير المتزوجة، إذ تُوصم بأنها “عانس” أو “ناقصة”، ما يُسبب لها ضغطًا نفسيًا يجعلها عرضة لمشاعر غير ناضجة أو وعود زائفة من بعض الرجال.
تبدأ القصة بريم، فتاة ثلاثينية فقدت والدها وتعاني من الوحدة والخذلان. تجد في الشاطئ متنفسًا لمشاعرها، وهناك تلتقي برجل يمنحها منديلًا بلطف، يتضح لاحقًا أنه فنان رسم صورتها. تتطور العلاقة بينهما بشكل غير مباشر من لعبة إلكترونية، دون أن يدرك أحدهما هوية الآخر، إلى أن تكتشف ريم أن الشاب هو عبدالمجيد، الذي ينتمي إلى مذهب ديني مختلف.
ورغم نشوء مشاعر صادقة بينهما، إلا أن الطائفية والعوائق الاجتماعية تحول دون اكتمال علاقتهما، خاصة بعدما يخبرها عبدالمجيد عن زواجه السابق من فتاة شيعية توفيت نتيجة رفض أهلها لهذا الارتباط.
ورغم معارضة والدتها، تقرر ريم زيارة عبدالمجيد؛ لكن في طريقها تتعرض لحادث أليم. في تلك اللحظة، يصادف مرور شاب يُدعى فارس برفقة والدته، فيُسارع إلى إنقاذها والاعتناء بها حتى تستعيد وعيها.
تنشأ بين فارس وريم علاقة إنسانية صادقة، تتطور تدريجيًا لتُتوّج بالزواج، رغم رفض شقيقها. ومع ذلك، تنجح ريم في بناء حياة زوجية مستقرة يسودها الحب والتفاهم. غير أن سعادة ريم لا تدوم طويلاً، إذ تموت فجأة في أثناء ولادتها، تاركة طفلتها الوحيدة التي تشبهها.
تكبر الطفلة في كنف والدها، تحفّها ذكريات والدتها وقصتها، وكأنها تُكمل عبر حياتها ما لم تُكمله ريم. الرواية بذلك لا تكتفي بسرد حكاية حب، بل تفتح بابًا للنقاش حول قضايا مجتمعية حساسة مثل: الطائفية، وتأخر الزواج، والنظرة السلبية للمرأة غير المتزوجة؛ مما يجعل الرواية عملًا يحمل أبعادًا إنسانية واجتماعية عميقة.
قراءة الطالبة: رهام بنت يوسف الراشدية