السنة 20 العدد 193
2025/10/13

الأهداف المؤسسية سبيل النجاح والاستمرار

 

المهندس سالم بن علي الهنائي



المقدمة

 

لا شك أن أي عمل يخلو من الأهداف لن يكتب له التوفيق وإن بذلت له أقصى درجات الاجتهاد والقوة، إذ إنه يفتقد إلى خارطة توجيهية تحدد منتهاه. من هنا نجد أن بداية أي عمل تخطيطي يشترط احتواءه على قائمة من الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية تُحدد وتُصاغ بطريقة واضحة وذكية تجعلها قابلة للتطبيق والقياس وتتسم بالواقية. ولكن في بعض الأحيان تتجاوز هذه الأهداف الواقعية والمنطق وتتحول إلى قائمة من الأحلام المستحيلة وغير قابلة للتطبيق؛ لذا تؤدي إلى إفشال العمل التخطيطي وهدر الكثير من الموارد. ومن هذا المنطلق فإنه يجب معرفة بعض الجوانب والمهارات والمعارف ومراعاتها عند الشروع في كتابة الأهداف المؤسسية لأي شركة أو مشروع أو مؤسسة.

 

ما الأهداف المؤسسية؟

هي تسخير الموارد والطاقات والمعارف والمهارات للوصول إلى محطات ومستويات محددة ترغب المؤسسة في تحقيقها في مدة زمنية معينة. تبدأ هذه الأهداف في التكوين عندما تجري كتابة رؤية المؤسسات ورسالتها، ثم تتبعها قائمة من الأهداف المؤسسية الذكية (القابلة للتطبيق). وبطبيعة الحال فإن هذه الأهداف متنوعة ومتشابهة في بعض الأحيان، ولكنها تعكس النشاطات التي تمارسها المؤسسات في سبيل تحقيق هذه الأهداف؛ ومنه يجب التركيز والحرص عند صياغتها وتكوينها، وربما يتحتم على المسؤولين مراجعتها بصورة مستمرة إن لوحظ أنها غير قابلة للتطبيق أو لا يمكن بلوغها.

 


أنواع الأهداف المؤسسية

كما ذكرنا سابقا فإن الأهداف المؤسسية تتنوع حسب توجهات كل مؤسسة ورؤيتها المستقبلية، ولكنها قد تتمحور عن زيادة الإنتاج وتحقيق الأرباح واكتساب مكانة مرموقة بين المؤسسات النظيرة وتحقيق النمو الدائم والاستمرارية وكذلك زيادة مستوى الكفاءة التشغيلية. وهذه بوجه عام أساسيات تكوين هذه الأهداف، إلا أن بعض المتخصصين يحصرها في نوعين هما: أهداف رسمية وأهداف تشغيلية؛ بحيث تشكل الأهداف الرسمية عموميات التوجه المؤسسي الذي يعلن عنه في المحافل الرسمية والوثائق والتقارير. أما الأهداف التشغيلية فهي ما تقوم به المؤسسة من طريق وحداتها المختلفة من نشاطات وعمليات تجعلها تحقق هذه الأهداف. من جانب آخر فإنه يمكن أن يرمز إلى هذه الأهداف حسب إسهاماتها في تحقيق رؤية المؤسسة بحيث تتمحور في الجوانب المالية أو شؤون الابتكار أو غير ذلك من المستهدفات المراد تحقيقها.



مواصفات الأهداف المؤسسية

  1. الواقعية

لكي تكون الأهداف واقعية فإنه يتطلب تشخيص الوضع الراهن للمؤسسات باستخدام أدوات ومنهجيات علمية لجمع البيانات وتحليلها بدقة وإتقان؛ مما سيؤدي إلى معرفة الواقع ووضوح الإيجابيات والسلبيات والفرص المتاحة والمخاطر المتوقعة. وهذا سيسهل عملية صياغة الأهداف بواقعية ووضوح بحيث تحقق النمو والتقدم والثبات والاستمرارية.

 

  1. المرونة

تتيح هذه الخاصية التكيف مع الظروف الطارئة وغير المتوقعة والجديدة مع الحفاظ على المكونات الرئيسة للأهداف المؤسسية؛ بحيث يمكن إعادة النظر في المسارات والأساليب التي تؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف؛ وذلك استجابة للعوامل المؤثرة وغير المتوقعة عند صياغتها واعتمادها.

 

  1. استخدام الموارد المتاحة

لابد من معرفة نوع  الموارد المتاحة في المؤسسة وكفاءتها وحجمها عند صياغة أهدافها؛ كي لا تتحول هذه الأهداف إلى قائمة أمنيات غير قابلة للتحقيق؛ وذلك لضعف الموارد المتاحة أو انعدامها. عليه، فإن التدرج في صياغة الأهداف قد يكون الخيار الأنسب؛ بحيث تنمو أهداف المؤسسة وتتعاظم مع نمو مواردها وتطورها.

 

  1. إطار زمني واضح 

تحديد الإطار الزمني للأهداف مهم ومطلب رئيس، إذ إن هذه الأهداف مرتبطة ببعضها وربما لا يمكن بلوغ أحدهما إلا بتحقيق الآخر. كما أن التسارع في النمو التكنولوجي والتقني يحتم علينا مجاراته ومسايرته من طريق نمو مؤسساتنا وتطورها في تحقيق أهدافها حسب الجدولة الزمنية الموضوعة.

 

  1. قابلة للقياس والمتابعة

عندما تكون أهدافنا ذكية ويمكن قياسها فإنه يسهل علينا وضع مؤشرات أدائها بدقة ووضوح؛ مما يضمن لنا تغذية راجعة تسهم في معايرة هذه الأهداف وتحسينها بما يتوافق من المتغيرات المصاحبة لرحلة تحقيقا والوصول إليها. فكما يقال: "ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته".

 

أهمية الأهداف المؤسسية 

  1. زيادة الإنتاجية والكفاءة

عندما تسخر جميع الموارد والنشاطات والأعمال لتحقيق أهداف موحدة ومتكاملة فلا شك أن الإنتاجية ستزيد وكفاءة وحدات المؤسسة وأفرادها ستتضاعف وتنمو؛ لذا سيتحقق ما ينشده الجميع من نجاح واستمرارية. وعليه فإنه لابد من خلق قنوات تواصل واضحة وشفافة لضمان وضوح الأهداف للجميع ومتابعة ذلك بالمراجعة المستمرة لمؤشرات القياس وأدوات التقييم المؤسسي والفردي.

 

  1. تجويد صنع القرار

لا شك أن القرارات المؤسسية والفردية تحتاج إلى من يصنعها ويخطط لها وعندما تكون الأهداف واضحة ومعلومة؛ فإن ذلك يسهم في صنع قرارات دقيقة وفاعلة؛ لذا ستسهم في رقي المؤسسة وتقدمها وسوف تتخطى السلبيات التي تسببها بعض القرارات غير المدروسة. وقد يعتقد بعضهم أن اتخاذ القرارات من أبسط الممارسات، ولكن واقع الحال يثبت غير ذلك، فقد انهارت حضارات وخسرت مشاريع وشركات وتردى أفراد وجماعات؛ وذلك بسبب القرارات غير المدروسة والخاطئة التي لا تعتمد على أهداف موثوقة وراسخة. كما أن في مؤسساتنا نعاني من القرارات الفردية التي تعتمد على قناعات بعض المتنفِّذين الذين يعتقدون بجهلهم أنهم يعلمون ما لا يعلمه ذوي الاختصاص والخبرة في مؤسساتهم، ولو استشاروهم لعلموا كيف للقرارات أن تصنع وتتخذ.

 

  1. تعزيز النمو والابتكار

لا شك أن الابتكار والنمو متلازمان ومتوازيان، إذ إن النمو يحتاج الى حلول مبتكرة وأساليب جديدة خارج إطار النمطية والتكرار المستمر. ولا شك أن وجود الأهداف المؤسسية يعزز بيئة الابتكار في المؤسسات ويفتح آفاقا جديدة للأفكار الجديدة والعمليات الحديثة في إنجاز الأعمال وتحديث عمليات الإنتاج؛ ومنه يحقق النمو والتطوير في هذه المؤسسات.

 

  1. تسهم في التخطيط الاستراتيجي والتشغيلي

تحديد الأهداف هي أول مكونات أي عمل تخطيطي؛ سواء أكان على المستوى الاستراتيجي أم المستوى التشغيلي؛ ومنه تتفرع باقي أجزاء هذه الأعمال. ولنا أن نتخيل أي عمل تخطيطي دون أهداف واضحة، كيف له أن ينجح ويقود المؤسسات والأفراد إلى طرق التميز والديمومة والنمو. 

 

  1. تسهم في إدارة الموارد وتحديد أولوياتها

كما ذكرنا سلفا فإن وجود الأهداف المؤسسية يسهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في توجيه الموارد بصورة يركز فيها على سبل تحقيق هذه الأهداف ويحد من التشتت وهدر الموارد في مجالات فرعية لا جدوى منها. ويمكن أن نذكر هنا أن هيكلة المؤسسات الإدارية والتشغيلية يعتمد بصورة مباشرة على هذه الأهداف؛ لذا يقود إلى استقطاب الموارد البشرية المناسبة، كما ونوعا، مما يسهم في تقنين الصرف على مستحقات منتسبي هذه المؤسسات.

 

  1. تسهم في بناء فرق العمل

كما هو معلوم فإن المؤسسات تتشكل في وحداتها وتقسيماتها الهيكلة فرق عمل تتكامل مع بعضها لتحقيق الأهداف المؤسسية الموضوعة لها من طريق خططها وبرامجها التشغيلية. ومما يحزن ذكره أن نرى في الكثير من مؤسساتنا العامة والخاصة فرق عمل وتقسيمات إدارية تنشأ لتحقيق رغبات فردية أنانية تؤدي إلى ترهل في هيكلة هذه المؤسسات وتبعدها عن تحقيق أهدافها التي وضعت لها. 

 

  1. تعزيز الحوكمة والمساءلة

لا شك أن حوكمة المؤسسات هو صمام الأمان وطريقها إلى الاستمرارية والنمو المحكم، ولا يختلف اثنان على أن وجود الأهداف المؤسسية كفيل بتأسيس نظام حوكمة ومساءلة رصين، يحد من التسلط الفردي والتصرفات غير المدروسة، ويقوي مراحل بناء واتخاذ القرارات المؤسسية التي تقود إلى تحقيق الأهداف بصورة واضحة. وليس هناك أسوأ من أن تترك المؤسسات تحت تصرفات فردية لا يهمها إلا مصالحها الشخصية، فلا بد من وجود الحوكمة والمسائلة والثواب والعقاب كي تنمو مؤسساتنا وتتطور من طريق نظامها المؤسسي المبني على الأهداف الرصينة والرؤى الواضحة.

 

الخاتمة

لقد عرضنا في هذا المقال القصير أهمية مكونات ومواصفات الأهداف المؤسسية لما لها من قيمة وجودية في حياتنا العملية والمهنية، وقد بينا أن غيابها يؤدي إلى التخبط والانهيار وعدم الاستمرارية. فهي تمثل بوصلة التوجيه لأي كيان تنظيمي، وهي التي توحد الجهود وتعزز الانتماء وتسهم في اتخاذ قرارات فعالة مبنية على رؤية مشرقة وواضحة. فمن دونها تفقد المؤسسة معالم طريقها وتهدر طاقاتها ومواردها، فكلما صِيغة الأهداف بصورة مدروسة ومشتركة، زادت فرص النجاح والاستدامة والتميز.

إرسال تعليق عن هذه المقالة