السنة 20 العدد 192
2025/09/14

خطوات على الطريق (1)

رهبة وخطوات على دروب الاكتشاف

 

إعداد: سعود بن ناصر الصقري

 

المقدمة

ذلك الصباح الأول ليس كأي صباح، يخرج الطالب من بيته متوشحًا بقلق جديد، يحمل حقيبته على كتف لم يعتد ثقل الغد، ويخطو باتجاه أبواب جامعة نزوى. بين ردهات الطريق، تتناوب المشاعر بين فرح غامض وارتباك لا يُخفيه. هو ليس يوم دراسة عادي، بل يوم عبور إلى مرحلة مختلفة، إذ يغدو العالم أكبر، والخيال أوسع، والأحلام أثقل بالمسؤولية.
في هذه اللحظة بالذات، يدرك الطالب – ولو بصمت – أنه لم يعد أسير المقاعد المدرسية التي عرف وجوهها وأصواتها، بل أصبح واحدًا من جيل جديد يتعلم أن يقف على عتبة المستقبل بعينين مفتوحتين على اتساعهما.

السنة التأسيسية: بوابة العالم الجديد

السنة التأسيسية ليست مجرد فصل دراسي عابر أو مقررات اعتيادية ينجزها الطالب قبل التخصص؛ إنها البوابة الأولى نحو العالم الجامعي، فهي تمثل الجسر بين ماضٍ اعتاد الطالب فيه أن يتلقى المعرفة في إطار ضيق، وحاضر يطالبه بأن يكون أكثر استقلالًا ووعيًا ومسؤولية عن ذاته.
في جامعة نزوى، تتجلى السنة التأسيسية بوصفها مرحلة إعداد متكاملة، لا تقتصر على إتقان اللغة الإنجليزية أو الرياضيات، بل تمتد إلى بناء العقلية البحثية وتنمية ملكة السؤال، وغرس قيم الانضباط الذاتي، والتعرف على فضاءات الحرية الأكاديمية.

رهبة البداية: دهشة الممرات وقاعات المحاضرات

حين يدخل الطالب قاعة المحاضرات لأول مرة، يواجه مشهدًا غير مألوف: مقاعد مرتبة في مدرج يتسع لعشرات الوجوه، أستاذ يقف أمام شاشة عرض كبيرة، أصوات طلبة يتبادلون التحية بِلكنات ولهجات مختلفة. تلك اللحظة الأولى تكفي لتجعل قلب الطالب يخفق بسرعة؛ وكأنه يقف على خشبة مسرح لم يتهيأ لها.
لكن ما يبدو رهبة في البداية سرعان ما يتحول إلى طاقة دهشة. فالمكان الذي كان يثير الخوف يصبح مسرحًا لاكتشاف الذات. يتعلم الطالب أن الجامعة ليست امتحانًا طويلًا، بل حياة كاملة؛ فيها يختبر قدرته على الصبر، وإرادته في المثابرة، وفضوله في البحث.

شغف الحضور: من مقعد المتفرج إلى منصة المشاركة

الحضور في الجامعة لا يشبه حضور الصفوف المدرسية. فهنا، الحضور ليس جسديًا فحسب، بل فكري وروحي أيضًا. يجلس الطالب في القاعة؛ لكنه يدرك أن الصمت لا يكفي. عليه أن يسأل، أن يناقش، أن يشارك. وهنا يولد الشغف.
في جامعة نزوى، تُشجَّع هذه المشاركة منذ اللحظة الأولى. الأساتذة لا يكتفون بإلقاء المادة، بل يحفزون على النقاش، ويفتحون المجال للتجربة، ويطلبون من الطالب أن يجرّب ويخطئ ويصحح. وهكذا يتحول الطالب من متلقٍّ صامت إلى مشارك فاعل، يضيف إلى الدرس بقدر ما يتعلم منه.

اكتشاف العلم الجامعي: الفرق بين التلقي والبحث

أعظم ما يواجهه الطالب في السنة التأسيسية هو اكتشاف أن العلم الجامعي ليس كما تعود في المدرسة. لم يعد المطلوب أن يحفظ الدروس ليجيب عن الأسئلة، بل أن يسأل هو نفسه، وأن يبحث، وأن يستدل. الجامعة تعلمه أن المعلومة ليست غاية بل وسيلة، وأن الطريق إلى المعرفة يبدأ بالسؤال لا بالإجابة الجاهزة.
هنا تبرز المكتبة الجامعية كونها مكانا أساسا؛ فهي ليست مجرد رفوف للكتب، بل فضاء للتفكير والتأمل. كذلك تُصبح الأنشطة البحثية الصغيرة، وورش العمل الأكاديمية، وأدوات التكنولوجيا التعليمية، مفاتيح جديدة يكتشف بها الطالب عالمًا لا حدود له.

جامعة نزوى حاضنة: بيئة معرفية وحضارية

جامعة نزوى ليست فقط مؤسسة أكاديمية، بل فضاء ثقافي وحضاري ينهل من تاريخ عُمان العريق. رسالتها واضحة: أن تكون جامعة رائدة في خدمة الإنسان والمجتمع؛ لذلك يجد الطالب في أروقتها ما يتجاوز المحاضرات والمناهج: يجد حياة جامعية كاملة تُعلي من قيمة الهوية الوطنية، وتحتفي بالتعدد الثقافي، وتفتح الأبواب أمام الإبداع والابتكار.
في مكتبة جامعة نزوى، في مراكز البحث، في ساحاتها المزروعة باللون الأخضر، في برامج الإنماء الطلابي وأنشطتها، يجد الطالب نفسه جزءًا من منظومة أكبر من ذاته، منظومة تُربيه على أن العلم ليس غاية فردية، بل مسؤولية جماعية تجاه الوطن والإنسانية.

التحول النفسي والشخصي

في بداياته، ربما كان الطالب يخشى أن يرفع يده ليسأل، أو أن يتحدث أمام زملائه. لكن مع مرور الأسابيع، تبدأ هذه المخاوف بالتلاشي، تنمو الثقة بالنفس، تتفتح شخصية جديدة أكثر جرأة على الحوار، وأكثر استعدادًا لتحمل المسؤولية.
تتغير علاقته بالزمن: لم يعد اليوم الدراسي مجرد ساعات تمر، بل فرصة لصناعة مستقبله. تتغير صداقاته: لم تعد محصورة في الحي أو المدرسة، بل صارت تمتد إلى زملاء من محافظات مختلفة، وخلفيات متنوعة، مما يثري تجربته الإنسانية.

البداية نصف الطريق

السنة التأسيسية ليست اختبارًا عابرًا، بل مفتاح الطريق. فيها يتشكل وعي الطالب الأول بالجامعة، ومنها ينطلق إلى رحلته الأكاديمية الطويلة. قد تكون البداية مثقلة بالرهبة والقلق، لكنها في الوقت ذاته مفعمة بالشغف والأمل.
إن جامعة نزوى، بحضورها الأكاديمي والإنساني، تمنح الطالب بيتًا أول للحلم، وتضع بين يديه مفاتيح المستقبل. وكل طالب يدخل هذه البوابة يعرف أن الخطوة الأولى – رغم صعوبتها – هي الأجمل، لأنها تصنع القصة التي سوف يحملها عمرًا كاملًا.

إرسال تعليق عن هذه المقالة