القيادة الذاتية: فلسفة الانتصار على الذات

السنة 20 العدد 192
2025/09/10

القيادة الذاتية: فلسفة الانتصار على الذات

 

رحيمة الجامودية

 

القيادة ليست صفة تُمنح بقرار ولا امتياز يمنح بمناصب ولا سلطة تفرضها القوانين، بل مواقف تسبق الكلمات والأفعال، فهي القدرة على التأثير والإلهام وزرع الثقة، والدفع نحو عجلة التغيير بذكاء وصبر وقوة حضور، وأثر يُترك في عقول محيطك وقلوبهم؛ وذلك حتى دون امتلاك أدوات نفوذ رسمية.

القيادة الذاتية تعني الانضباط الذاتي، والإصرار على القيم، وقدرتك على توجيه حياتك بإرادتك، والتحكم في أفكارك وتنظمها قبل أن تدير خطواتك، وصياغة قراراتك بناءً على وعيك وقيمك، بحيث تضع لنفسك بوصلة قيمة وواضحة لا تنحرف أمام الظروف أو الضغوط الخارجية. إنها المعركة الداخلية التي يخوضها الإنسان كل يوم ضد التردد والكسل وكثرة الأَعذار، ومواجهة صامتة بين ما نحن عليه الآن، وما نريد أن نصبح عليه في الغد.

هي ليست مجرد مهارة تُكتسب، بل فلسفة حياة قائمة على وعي الشخص بنفسه، وقدرته على توجيه أفكاره وسلوكياته نحو رؤية وأهداف واضحة، دون انتظار دافع خارجي أو نفوذ مكتوبة؛ كي تُصبح كلمتك أثقل من أوامر السلطة، وأفعالك أعمق أثرًا من أي قانون مكتوب.

القائد لذاته يضع بوصلة داخلية تحدد له الاتجاه في حياته حتى في وسط الفوضى. فَيتحمل مسؤولية أفعاله واختياراته، ويقيم خطواته بصدق، ويعيد ضبط مساره عند الحاجة. ويعي أن أكبر خصم يواجهه ليس الظروف ولا الآخر، بل صوته الداخلي حين يحاول إقناعه بالتأجيل أو الاستسلام. إذ يبدأ الامتحان الحقيقي في تلك اللحظة: هل تستسلم لذلك الصوت، أم سترفع رأسك وتكمل خطواتك؟
القيادة الذاتية ليست صراعًا نحو الكمال، بل التزام بالتعلم والتحسين المستمر، حتى وإن كانت الخطوات صغيرة وبطيئة، فأعظم إنجاز تحققه في حياتك هو أن تصبح الشخص الذي أردت أن تكونه. فحين تتقن فن قيادة نفسك، تصبح قادرًا على مواجهة أي ظرف؛ لأنك تملك سلاح الانضباط، ودرع الوعي، وسيف العزيمة. وعندها، يصبح تأثيرك في الآخرين نتيجة طبيعية لِسيطرتك على ذاتك.

وفي عالم يتغير بسرعة، لا يمكن الاعتماد على الآخرين لدفعك إِلى الأمام، إنما القيادة الذاتية تمنحك القدرة على الصمود والابتكار واتخاذ القرارات الصحيحة حتى في غياب الدعم المباشر، ومَن لم يقُد نفسه، سيقوده الآخرون إلى حيث لا يريد.

فكيف تبدأ؟

  1. الوعي الذاتي: أن تفهم نقاط قوتك وضعفك، وأن تدرك دوافعك وقيمك.

  2. المسؤولية الشخصية: أن تتحمل نتائج أفعالك وقراراتك بالكامل.

  3. الانضباط: القدرة على الالتزام بِخططك وأهدافك رغم التحديات.

  4. التعلم المستمر: القائد الذاتي لا يتوقف عن تطوير نفسه وتوسيع معارفه.

حين تملك هذا النوع من القيادة، يصبح غياب المنصب فرصة، لا عائقًا.

 قال تعالى "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الأنفال: 53).

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة