السنة 20 العدد 192
2025/09/10

الجزء الأول: قراءة تأمُّلية في كتاب (القيادة الجماليِّة في المؤسسات التعليميِّة) 

 

الباحث/ داوود بن سليمان الظفري

 

لم تَحظ ظاهرة اجتماعية بفيضٍ من دراسات العلماء كما حَظِيت القيادة، فالقيادةُ ظاهرة اجتماعية تُعنى بالقدرة على التأثير في البشر، وتتفوّق بعدّها علمًا على الإدارة في رؤيتها الواسعة، وأهدافها الاستراتيجية، ومهاراتها المعقّدة.

وفقًا ليونغ (Young, 1991) فإن القيادة تلعب دورًا مهمًّا معقّدًا في نجاح أو فشل عمليات المفاوضة المؤسّسيّة، التي تُحدِّد إلى حد كبير الأنظمة الدولية والترتيبات في المجتمع الدولي، فهناك ثلاثة أشكال من القيادة التي تشارك في إنشاء أو تغيير المؤسّسات الدولية التي تشمل: القيادة الهيكليّة، والقيادة الرياديّة، والقيادة الفكريّة، وإنّ وجود قيادة قوية يزيد فرص النجاح في إتمام العقود مع المؤسّسات الدولية الأخرى، وبالطبع فإنّ كل قيادة لا تؤتي ثمارها ولا تحقق أهدافها إلا بقيادة القادة المتميّزين، إذ يذكر جاغو (Jago, 1982) أنّ القادة الجيِّدين يُصنَعون ولا يُلَدون؛ فالقادة الجيّدون يتطوَّرون من طريق عملية لا تنتهي أبدًا، تتكون من الدراسة الذاتيّة والتعليم والتدريب والخبرة؛ فالقيادة عمليةٌ يُؤثِّر منها الشخص في الآخرين لتحقيق هدفٍ ما، ويوجّه المنظمة بطريقة تجعلها أكثر تماسُكًا.

ويُنفّذ القادة هذه العملية بتطبيق معارفهم ومهاراتهم القياديّة؛ وهذا ما يسمى قيادة العملية. مع ذلك، فإنّ هناك سِماتٍ يمكن أن تؤثر في أفعالنا؛ وهذا ما يُسمى قيادة السمات، فقد كان من الشائع الاعتقاد أن القادة يُولدون لا يُصنعون؛ بينما يمكن تعلُّم القيادة، ويُمكن أن تكون المهارات والمعرفة التي يُعالجها القائد تتأثّر بصفاته أو سماته؛ منها: المعتقدات، والقيم، والأخلاق، والشخصية، والمعرفة، والمهارات؛ التي تُسهم بشكل مباشر في عملية القيادة، بينما هناك صفات أخرى تُعطي القائد خصائص مُعيّنة تجعلهُ فريدًا.

غالبًا ما تكون القيادة سِمةً مرتبطةً بلقب الشخص أو أقدميّته أو ترتيبه في التسلسل الهرمي، ومع ذلك، فهي سِمة يمكن لأي شخص الحصول عليها أو حتى أولئك الذين ليس لديهم منصاب قيادة؛ فهي مهارة قابلة للتطوير ويُمكن تحسينها بمرور الوقت، ويُمكن تطبيقها على مستويات مختلفة، سواءً دُوليّة أم إداريّة أم اجتماعيّة أم أسريّة، فالقادة موجودون ومطلوبون في معظم جوانب المجتمع؛ بما في ذلك الأعمال التجارية والسياسية والدين والمنظمات الاجتماعية والمجتمعيّة، فيُنظر إلى القادة أنهم أشخاص يتخذون قرارات سليمة وأحيانًا صعبة؛ فهم يضعون رُؤية واضحة، ويضعون أهدافًا قابلة للتحقيق، ويُزوِّدون المتابعين بالمعرفة والأدوات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف. وتعتمد المنظّمات على القادة الناجحين لتوصيل رسالتها ورؤيتها وأهدافها، وتوحيد أعضاء الفريق بشأن تلك الأهداف ثم تحقيقها، وهذه القدرات مهمة بشكل خاص في أوقات الأزمات. 

وبالمجمل فإنّ القيادة هي مجموعة من السُلُوكات المستخدمة لمساعدة الناس على مواءمة توجّهاتهم الجماعية، وتنفيذ الخطط الاستراتيجية، وتجديد المؤسسة باستمرار؛ فالقادة جميعهم يقومون إلى حدٍّ ما بالشيء نفسه، سواءً أكنَا نتحدّثُ عن مدير تنفيذي أم مدير أم مدرِّب رياضي أم معلم مدرسة؛ فالقيادة تركز على توجيه النتائج والتأثير فيها، وتمكين مجموعات من الأشخاص من العمل معًا لتحقيق ما لا يمكنهم القيام به بشكل فردي، فهي ليست شيئًا يُولد الناس به؛ إنّما القيادة مهارةٌ يمكن تَعَلُّمُها.

ويُعد القائد من أهم العناصر التي تقوم عليها العملية القيادية ويُعوّل على نجاحها؛ لذلك ينبغي أن يمتلك القائد العصري عددًا من المهارات التي تُعينه على نجاح العملية القيادية. إذ يتميّز القادة الفعّالون بالذكاء والمعرفة والمسؤولية والنشاط والموثوقية والمشاركة الاجتماعية، ولكن في حالات أخرى فقد أظهروا صفات مختلفة، وقد استنتج العلماء أن الشخص لا يصبح قائدًا فقط نتيجةً لامتلاكه صفات شخصية؛ فلا ذكاء ولا إصرار ولا إرادة ولا أيَّ صفة أخرى تضمِن النجاح، بالإضافة إلى أنّ انتفاء أيِّ صفة لا يؤدي إلى الفشل، وهناك مجموعة من المُتطلبات للقائد العصري؛ أهمها أن لديه القدرة على إيجاد أقصر الطرق للوصول إلى الهدف، والقدرة على التفكير بشكل مستقل، واتخاذ قرارات مُستنيرة على الفور، والقدرة على ضمان تنفيذها باستمرار بشكل استباقي، والقدرة على إطلاق الطاقة البشرية كالمبادرة والحماس.

كما أشار هاوس وآخرون (House et al, 2004) للخصائص التي يجب أن يتمتَّع بها القادة الفعّالون، التي تضمَّنت الشخصية الجذابة والتحويلية، كما تضمَّنت صفات منها: التّبصر، والاستعداد لتشجيع الموظفين وزملاء العمل، ومهارات الاتّصال والتواصل، والمصداقية، والمواقف الإيجابية، والحضور القوي، والثقة، وقد تراوحت السِّمات الجذابة بين أنواع مختلفة من الثقافات وشملها الحماس، والتوجُّه نحو المخاطرة، والطموح، والتواضع، والإخلاص، والحسَّاسية. كما يجب أن تكون أساليب القيادة دائمًا قابلة للتعديل حسب الموقف، فكلُّ حالة تستدعي أسلوب قيادة مختلف. ولقد أشار بعض العلماء والمنظّرين إلى عدد من الذكاءات التي يجب أن يتصف بها القائد الفعّال، ومنها: الذكاء العاطفي، والذكاء الثقافي، والذكاء الأخلاقي، والذكاء الرقمي، والذكاء الجنسي، وهذه الذكاءات تتكون من عدد من المبادئ التي تُساعد القائد وتُبصّره وتسهل عليه عملية تحقيق أهداف العملية القيادية. 

ختامًا، العالَمُ أصبح أكثر ارتباطًا بظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، وهناك حاجة لأولئك القادة ذوي الذكاء العاطفي العالي والوعي الذاتي العالي الذين يرتبطون بشكل شخصي بِمُنظّماتهم. لذلك من الأهمية البالغة أن يتم تنشئة قادة يمتلكون المهارات والقدرات الأساسية والحديثة التي تُمكّنهم من الرؤية بعيدة المدى، والحكمة في اتخاذ القرارات الصائبة، والقدرة على التأثير الإيجابي، إذ تواجه اليوم المجتمعات والمؤسسات تحديات مُتزايدة ومُعقدة على مختلف الأصعدة: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية. وللتمكّن من مواكبة هذه التحديات، تبرز الحاجة الماسّة إلى وجود قادة متميّزون يمتلكون مثل هذه السمات والخصائص، حتى يتم تحفيز الطاقات الشبابية، ويتم تمكين المجتمعات من التغيير الإيجابي، الذي يؤدي إلى تحقيق الاستقرار والنمو، والنهوض بالمجتمعات نحو التقدم والازدهار.

 


 

المرجع:

الذهلي، ربيع بن المر. (2025). القيادة الجمالية في المؤسسات التعليمية. دار المسيلة للنشر والتوزيع.

إرسال تعليق عن هذه المقالة