"إشراقة" تستطلع آراء الكتاب والشعراء حين تصبح قاعات الدراسة منبرا للإبداع الفكري والأدبي

السنة 20 العدد 192
2025/09/10

 

"إشراقة" تستطلع آراء الكتاب والشعراء

حين تصبح قاعات الدراسة منبرا للإبداع الفكري والأدبي

 

محمود الصقري: ليس كل الطلبة يتفاعلون فبعضهم يخشى الظهور

شفيقة وعيل: نريد أن تذكر جامعة نزوى كلما ذكر شاعر أو روائي أو مبدع حصد جوائز محلية أو دولية

هشام الصقري: البيئة الجامعية خصبة بالإبداع والطالب هو من يشعل الشرارة

 

 إعداد: محمد القرني

 

تُعدّ البيئة الجامعة أكثر من مجرد مكان للدراسة، فهي مساحة واسعة يكتشف فيها الطالب نفسه، ويطوّر مواهبه، ويعيش تجارب يبقى أثرها طويلًا. ومن بين هذه المواهب، يبرز الإبداع الأدبي الذي يحتاج إلى بيئة حاضنة تساعد الطالب على التعبير والتميّز.

في جامعة نزوى، لا تقتصر العملية التعليمية على الدراسة، بل تمتد إلى دعم الإبداع وصقل الطاقات الطلابية من طريق الجماعات الأدبية، والأنشطة الثقافية، والمراكز التي تهتم بالمواهب المختلفة.

ويعد الموسم الثقافي في الجامعة، الذي يُقام سنويًّا في الفترة من فبراير إلى مايو، أحد أبرز الفعاليات التي تعكس التزام الجامعة برعاية الإبداع الأدبي وتنميته بين طلبتها. فهو ليس مجرد نشاط مصاحب، بل بيئة حاضنة لاكتشاف المواهب الطلابية الأدبية، إذ يجد فيها الطلبة مساحة للتعبير عن أنفسهم من طريق الأدب.

وتكمن أهمية هذا الموسم في كونه يفتح الباب أمام الطاقات الكامنة التي قد لا تجد من يحتضنها في السياق الأكاديمي التقليدي، كما يمنح المبدعين فرصة الظهور، والتفاعل، وصقل مهاراتهم عبر التنافس، والحوار، والتوجيه. ومن مشاركاتهم، لا يكتشف الطلبة مواهبهم فحسب، بل يكتشفون أنفسهم أيضًا، في رحلة تبدأ بكلمة، وتنمو بالإيمان والاحتضان

في هذا الاستطلاع الذي تجريه "إشراقة" نلتقي بثلاث شخصيات من الجامعة لكلٍّ منهم رؤية خاصة وتجربة مختلفة عن دور البيئة الجامعية في احتضان الإبداع الأدبي، وهم: الدكتور محمود الصقري، والدكتورة شفيقة وعيل، والشاعر هشام الصقري. ننقل وجهات نظرهم؛ لِنبني منها صورة أقرب لما يحدث فعليًا في الحرم الجامعي من دعم أو تحديات تواجه الطالب المبدع.

وقد أظهر الاستطلاع تنوعًا في آراء المشاركين تجاه البيئة الجامعية، إذ أشاروا إلى أن الجامعة تعد مساحة محفزة للإبداع الأدبي عندما تقترن بالدعم الأكاديمي والجماعات الطلابية. واتفقت الآراء على أهمية دور الأستاذ كونه موجّها ومُلهِما، وعلى ضرورة مبادرة الطالب لاكتشاف موهبته وتطويرها. كما برزت تحديات مثل الخوف من الظهور، والعوائق النفسية والمادية؛ مما يستدعي مزيدًا من الدعم المؤسسي والتواصل مع المجتمع الأدبي خارج أسوار الجامعة.

ويرى الدكتور محمود الصقري أن البيئة الجامعية لا تحتضن الإبداع الأدبي فحسب، بل تخلقه أحيانا من تفاعل بسيط بين أستاذ وطالب، إذ قال: "بلا شك، البيئة الجامعية لها عوامل تساعد على إثراء الطالب وحتى الأستاذ، بما تحويه من مهارات مختلفة ومحفزات. فالأستاذ، خاصة إذا كان شاعرًا، قد يلتقي بالطلبة في سياق مراجعة أو محاضرة، فينبثق حوار عن الأوزان أو موسيقى الشعر، فتصبح اللحظة بوابة لاكتشاف موهبة وتوجيهها".

ويضيف الصقري: "الطالب أحيانا يأتي بأسئلته إلى الأستاذ، فيحصل على تغذية راجعة تساعده على تطوير قدراته. وأحيانًا، الطالب يثري طالبا آخر بالتوجيه والإرشاد، أو يأخذه إلى فضاء آخر من المعرفة والإبداع.

أما عن النشاطات التي تحفّز هذا الإبداع، فأشار الدكتور قائلا: "الجامعة تقيم ندوات وأمسيات ومسابقات مثل فارس القصيد، ويشارك فيها الطلبة بمختلف مستوياتهم. هذا يخلق حراكًا أدبيا يشعر فيه الطالب بالانتماء والتحدي".

أما عن أبرز العوائق فقال: "ليس جميع الطلبة يتفاعلون؛ إذ يخشى بعضهم الظهور، لا سيما عند الكتابة في موضوعات الغزل. كما تشعر بعض الطالبات بحساسية مفرطة تجاه الإفصاح عن إبداعاتهن الأدبية، ما يدفعهن إلى التردد في المشاركة".

وفيما يخص كيفية اكتشاف المواهب، قال: "من بعض المساقات مثل (عربية 2)، نطلب من الطلبة إنتاج نصوص، ومنها نكتشف الموهوبين. بعضهم يكتب الشعر، أو القصة، أو الخاطرة، وهنا يأتي دورنا في التوجيه والتشجيع".

 

ومن منظور أكاديمي، ترى الدكتورة شفيقة وعيل أن الطالب في الجامعة يعيش لحظة استكشاف حقيقية لذاته ومواهبه. فتقول: "الطالب في مرحلة الجامعة هو في طور اكتشاف ذاته معرفيًّا، والعجينة الإبداعية التي صُنع منها، والبيئة الجامعية هي المحضن الذي يفجر فيه طاقاته ويكتشفها".

وتضيف: "نحن في قسم اللغة العربية، نَمنح الطالب أجنحة ليحلق، نصاحبه في مسار الذائقة الأدبية، ونسأله: ما الذي يعجبك؟ إلى أين تأخذك حواسك؟ إلى الشعر؟ أم إلى القصة؟ أم إلى الخيال النقدي؟".

وأكدت دعم رئاسة الجامعة للإبداع برعاية الأستاذ الدكتور أحمد الرواحي، فهناك اهتمام كبير بأن يكون الطالب مركز العملية التعليمية والإبداعية، فالأستاذ لا يُطلب منه أن يبدع نيابة عن الطالب، بل أن يفتح له أبواب الحديقة، ويتركه يختار ما يشاء من ألوان الإبداع.

أما اقتراحاتها لتطوير البيئة الأدبية الجامعية، فحدّدتها قائلة: "أطلقنا في قسم اللغة العربية مبادرة (جلالات) للدراسات العليا، التي تسعى لنقل الإبداع من الجامعة إلى المجتمع. لكننا نطمح لأكثر من ذلك؛ نريد أن تُذكر جامعة نزوى كلما ذُكر شاعر أو روائي مبدع حصد جوائز محلية أو دولية".

وشدّدت على أهمية الربط بين الجامعة والمجتمع الأدبي، فقالت: "ينبغي أن يكون للطلبة حضور خارج الجامعة، في اتحاد الكتاب، والنوادي الأدبية. كما يجب أن نُعدّ الطالب الموهوب بشكل استراتيجي للمسابقات العالمية مثل أمير الشعراء وكتارا لشاعر الرسول".


ومن تجربة الشاعر هشام الصقري مع الجماعات الطلابية، يؤمن بأن البيئة الجامعية في حد ذاتها خصبة بالإبداع، لكن الطالب هو من يشعل الشرارة. فقال: "مما لا شك فيه، أن البيئة الجامعية تعد بيئة خصبة للمواهب واحتضانها وصقلها وتنميتها. وهذا يأتي من قبل الجماعات الطلابية، التي تهتم بهذا الجانب وتوليه اهتمامًا كبيرًا. فعلى سبيل المثال، جامعة نزوى يوجد بها مركز يهتم بهذه الأمور، وهو مركز التميز الطلابي. هذا المركز يحتضن الجماعات الطلابية، ويحتضن الأنشطة والفعاليات التي تُقام في الجامعة أو خارجها".

ويضيف: "إذا تكلّمنا من جانب أدبي، نتحدث عن جماعة الشهباء، التي تهتم وتعتني بالطلبة الموهوبين أدبيًا، سواء كان في الشعر أم القصة، أم أي نوع أدبي آخر، فالمركز يحتضنهم. والجامعة تهتم بهذا الجانب حتى خارج نطاقها، سواء كان محليًا أم دوليًا، وهناك أمثلة عديدة لطلبة شاركوا ومثّلوا الجامعة خارجيًا".

وعن آلية استكشاف المواهب الأدبية، أوضح هشام الصقري أن الأمر ليس سهلاً؛ إذ قال: "عملية الاستكشاف صعبة؛ لأنك في بيئة تحتضن آلاف الطلبة. ولكن يبقى الدور الأكبر على الطالب نفسه، فإذا شعر بوجود الموهبة داخله، وسعى لتنميتها وتطويرها، بالتأكيد سيتوجه إلى المكان الذي يهتم بهذه الأمور".

ويتابع: "قد يتوجه الطالب إلى مركز التميز، أو يسأل. أحيانًا يتم اكتشافه من قبل أعضاء في أقسام أكاديمية أو جماعات طلابية، ويتم توجيهه إلى مركز التميز. فإذا أثبت الطالب قدرته على تقديم فعالية مميزة في الجامعة، مثل الموسم الثقافي أو حفل التخرج، تبدأ الشرارة من هنا".

ويؤكد هشام أن البداية دائمًا من الطالب: "في النهاية، الطالب هو من عليه أن يسعى لنفسه؛ لأن لا أحد سيسعى له إن لم يفعل هو ذلك. وقد يتحمل أشياء كثيرة، مثل النقد السلبي أو عدم التشجيع، لكن من أراد الوصول عليه أن يتحمّل، ويضحي، ويسعى جاهداً".

وعن أبرز العوائق التي تواجه الطلبة الموهوبين في الجامعة، قال الصقري: "العوائق متنوعة، منها الجانب المادي. وبعض الفعاليات تحتاج إلى دعم مادي، والجامعة لا تقصّر؛ لكنها تدعم عددًا كبيرًا من الجماعات، وكل جماعة لها مخصصات محددة. أحيانًا تكون الفعاليات أكثر من الميزانية المخصصة، وقد يحتاج الطلبة إلى دعم إضافي".

ويضيف: "هناك أيضًا عائق نفسي وفكري، إذ إنّ الطالب في بدايته قد لا يعرف كيف يتعامل مع موهبته. وقد يشعر بأنه غير مُهتم به، فيتراجع تدريجيًا ويتوارى عن الضوء، وهذا خطأ. لأن الاهتمام الحقيقي يجب أن ينبع من الطالب نفسه، فهو يخدم ذاته أولًا وأخيرًا".

ويختم هشام الصقري حديثه برسالة تحفيزية للطلبة: "يجب على الطالب أن يتحمل، ويتعامل مع التحديات، ويستمر في طريقه رغم كل شيء، فَالطريق إلى التميز ليس سهلاً، لكنه يستحق السعي والتضحية".

إرسال تعليق عن هذه المقالة