السنة 20 العدد 191
2025/08/18

خيط بين النص والمقصد ووعي اللحظة

 

محمد بن علي الإسماعلي

 

اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة ثورة هوجاء أدت إلى تشكيل فهم مغلوطة عن المذهب الإباضي، أحد المدارس الفقهية التي تمتاز بخصوصيتها العقدية، ففي وقت كان المسلمون في أمسّ الحاجة إلى وحدة الصفِّ وتماسك الكلمة، غابت نبرة الاتزان ووضوح اللغة، بل تباعدت مسافات التقريب وخلفيات العمق الروحي التاريخي والفكري بين أبناء الأمة الإسلامية، وتأكّدت تلك الصورة النمطية التي تقدّم التعصب المذهبي على هدف الأمة ورسوخ بنيانها.

 

لقد فقد المتحاورون -أو يمكن أن نطلق عليهم المتراشقون- أحد أبسط أساسات عرض المعلومات وبسط الحقائق في طريق الدعوة إلى الإنصاف والانفتاح اللذين يعدان من أساسات متطلبات العلم وأهله؛ لذلك ضلّوا المسير نحو فهم التعددية المذهبية في العالم الإسلامي؛ بيد أنه اكتنف حديثهم عن هذا المذهب العريق تناولا سطحيا لإطاره الفقهي وامتداده الحضاري وتجربته الفكرية التي تُعدُّ من بين أهم الأساسات التي أسهمت في تشكيل هوية المجتمع العماني واستقراره عبر فترات زمنية طويلة.

 

إنّ منصات التواصل أضحت سلاحا قويا دافع عن الأمة الإسلامية في وجه الطغيان والعدوان، فأبانت عن حقائق كانت مغيّبة، ومن هنا كذلك أدرك أعداء الإسلام قوة تأثيرها؛ فاندفعوا لاعبين بقنواتها وأدواتها لإحداث صدعٍ وشقاق بين المسلمين ... فلم يتوقّفوا عن بث تصوّرات مغلوطة، وتعميمات إعلامية مضللة لأغراض سياسية ودينية في المقام الأول؛ لذا لا ريب أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى قراءة هادئة ومنهجية وعقلانية لتاريخها ومستقبلها؛ إذ يقوم تراثها الغني ورؤيتها الأخلاقية على فهم راسخ لمبادئ التكافل والعدالة الاجتماعية بين أبنائها، وسعيا نحو مقاربات جديدة لفهم الآخر وإدراك المشتركات؛ وانفتاح نسيجها على الحوار والشورى كي ترفض الخصومات والاختلافات والفتن.

 

ولعل في الإنصات لخصوصيات كل مذهب والرجوع إلى مصادره الأصيلة ما يُغني فهمنا للإسلام ذاته ... كونه دين رحمة وعدل وتكريم للعقل وصون للنفس مما قد يلوّثها؛ وليس ببعيد عنّا فقه الأولويات وميزانه في تحديد مصالح الناس على وفق مراتبها الشرعية والواقعية، ومقاصدها بين التفكير والتطبيق.

إرسال تعليق عن هذه المقالة