من المكتبات إلى نظم المعلومات ... إرادة بين الطموح والتحدي
تقول في مستهلّ حديثها: "ولدتُ ونشأت في بيئة تُعلي من قيمة التعليم، وتنظر إليه كونه وسيلة للنهوض الذاتي والمجتمعي؛ مما غرَس في نفسي منذ الصغر احترامًا للعلم وأهله، وسعيًا دائمًا نحو التطوير الشخصي والمعرفي. وعلى الرغم من أن مساري الأكاديمي الأول كان في تخصص علم المكتبات والمعلومات، فإن طموحي لم يتوقف عند ذلك، بل دفعني إلى اقتحام مجال جديد كليًا عليّ: نظم المعلومات، وهو تخصص يختلف عن خبرتي ومجال عملي، ويُدرّس بلغة لم أكن أملك فيها المهارة الكافية في البداية".
إن تنوّع الشخصيات وتعدد التخصصات يعكس جانبا فكريا يرفع قيمة المجتمع الجامعي؛ بل نبش الذكريات وعلاقتها بطبيعة عملها وتعليمها يجذب القارئ ويقرّبه من الشخصية؛ لتكون نماذج يُحتذى بها في داخل حرم جامعة نزوى وخارجه.
وباب "شخصية العدد" في العدد رقم 191 (سبتمبر 2025) لصحيفة إشراقة الشهرية الإلكترونية خصصناه لتسليط الضوء على شخصية تجتهد لتبرز داخل المجتمع الجامعي في المجالين العلمي والثقافي، إذ مثّلت سيرة أسماء بنت عبدالله العبادية، أمينة مكتبة جامعة نزوى، طموحا مشروعا للتفوّق؛ لتعطى مساحة تشجيعية للتقدّم والتأثير، ما يعزز الحافز لدى الآخرين ويقوي الارتباط بالجامعة.
مغامرة دؤوبة
التحقت بجامعة نزوى في عام 2021، وبدأت بدراسة المواد الاستدراكية تمهيدًا للالتحاق ببرنامج الماجستير. لم يكن هذا التخصص (نظم المعلومات) خيارها الأول، إذ كانت قد قُبلت فعليًا في برنامج ماجستير متخصص في مجال المكتبات بإحدى المؤسسات الأكاديمية، إلا أن طبيعة العمل والتنسيق مع جهة عملها حينها أوجبت النظر في خيارات بديلة، وكان من بينها هذا البرنامج أو الدراسة في الخارج. ونظرًا لعدم توفر الظروف الملائمة للسفر، قررت الالتحاق بتخصص نظم المعلومات، رغم إدراكها لما قد يحمله من تحديات.
وقد كانت الدراسة بلغة أجنبية، وكان عليها أن تتكيف مع مصطلحات وأفكار ومناهج لم تتلقَّ فيها تأسيسًا كافيًا مسبقًا. إلى جانب ذلك، درست عددًا محدودًا من المقررات التأسيسية في نظم المعلومات لتتمكن من دخول البرنامج، وهي بالطبع لا تُقارن بالسنوات التي يقضيها طلبة هذا التخصص منذ البكالوريوس، ومع ذلك واصلت المسير.
لابدّ دون الشهد
لقد كانت رحلتها كونها طالبة ماجستير مزيجًا من الإصرار والإحباط، من الرغبة في الإنجاز والشعور أحيانًا بعدم الإنصاف. لم تكن كل الطرق ممهدة، ولا كل الأبواب مفتوحة؛ بل واجهت مواقف شعرت فيها أن نظرة بعض أعضاء هيئة التدريس للطلبة لم تكن دائمًا منصفة، إذ بدت مشروطة أحيانًا بمعايير مسبقة، كالمعرفة السابقة أو الخلفية الأكاديمية... بينما كانت تحاول في صمت أن توازن بين وضعها في تخصص جديد عليّ، وطموحها في أن تتقدّم ما استطاعت بأدواتها المتاحة.
رؤية مغايرة
ورغم التحديات، كانت رسالة الماجستير التي أنجزتها تجربة طموحة جمعت بين خبرتها السابقة ومجالها الجديد، إذ تناول مضمون بحثها العلاقة بين المكتبات والذكاء الاصطناعي، وسعت من طريقه إلى تقديم رؤية تُواكب التحولات الرقمية وتُبرز أهمية دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في بيئة المكتبات، لا سيما في سلطنة عُمان. وقد جاء هذا التوجّه في مجال لا يزال بكرا وناشئًا في البيئة البحثية العُمانية؛ مما جعل التجربة مختلفة وغير تقليدية.
وبحكم انتقالها إلى تخصص نظم المعلومات، كانت هناك آراء ونظرات تفضّل أن يتجه نطاق البحث نحو التصميم التقني أو تطوير الحلول البرمجية، لكنها آثرت أن تركّز على البُعد الفكري والتكامل المعرفي بين التخصصات، إيمانًا منها بأن للبحث العلمي مسارات متعددة، وأن الجمع بين الحقول لا يقل أهمية عن التخصص العميق في أحدها.
الذات الطموحة
ومن أبرز المحطات المفصلية التي تستذكرها أسماء، أنه لم تكن هناك ورش كافية موجهة لطلبة الماجستير في الكلية، الأمر الذي دفعها إلى التوجّه نحو بدائل أخرى؛ فحضرت ورشًا نظّمتها كليات مختلفة رغم تباين توجهاتها، وشاركت في ورش افتراضية تناولت منهجيات البحث العلمي، كذلك انغمست في قراءة الكتب والمقالات المتخصصة التي تعينها على فهم خطوات إعداد البحوث الأكاديمية. وقد كانت تلك الجهود، رغم بساطتها الظاهرة، سندًا حقيقيًا في رحلتها، ومصدرًا ذاتيًا للتطوير الذي منحنها الثبات حين بدت الطرق غير واضحة.
موضع قدم
ولا بد للإنسان من موطنٍ يجد فيه مكاسب قيّمة نثري شخصيته وتنمي مداركه، لذا تقول عن محلّ عملها ودراستها: "جامعة نزوى، وإن كانت محطة مليئة بالصعوبات، فإنها منحتني في المقابل تجارب إنسانية ومواقف معرفية لا تُنسى. لم أكن أدافع عن اختياراتي بقدر ما كنت أحاول تجاوز العقبات والبحث عن مخارج بديلة، أو تعويض ما لم يُقدَّم لي ببذل جهد مضاعف. كنت أترجم الأوراق البحثية لأفهم مضمونها، ثم أكتب، ثم أعود لترجمة ما كتبت لأراجع لغته ومضمونه، وأتحقق من الصياغة والنحو والأسلوب، في دورة شاقة من التعلم الذاتي. لم يكن الطريق ممهَّدًا، لكنني سرت فيه بما أملك من صبرٍ وتصميم".
وقوف وتأمّل
وفي أثناء حديث شخصية عددنا نلتمس أنه لا تزال هناك بعض المواقف العالقة في ذاكرتها، ولكن ليس لأنها كانت محفّزة فحسب، بل لأنها دفعتها إلى الصمود ومواجهة التحديات وحدها في كثير من الأحيان. غير أن ما تحقق لم تكن بيئته مفروشة بالورود. ومع ذلك، فإن في أعماق تلك التجربة ما يستحق التوقف والتأمل، لا لأنها كانت مثالية، بل لأنها كانت حقيقية وشكّلت جزءًا من بناء الذات والشخصية.
أما اليوم، فعلاقتها بالجامعة تأخذ شكلاً مختلفًا؛ علاقة تأمل ومراجعة، ونوع من التصالح مع تلك المرحلة، وتأمل بأن تكون هذه التجربة درسًا لها ولغيرها في السعي والتجاوز.
كنْ مغامرا
وتختم أسماء بنت عبدالله، ماجستير نظم المعلومات، رسالتها لطلبة العلم اليوم بقولها: "لا تخشوا خوض التحدي، حتى وإن شعرتم أنكم لستم (الأكثر جاهزية) أو افتقرتم إلى الخلفية المطلوبة. فالقيمة لا تكمن دائمًا في البدايات، بل في الإصرار والرؤية والشغف الحقيقي بما تسعون إليه. لا تجعلوا اللغة أو طبيعة التخصص أو البيئة عائقًا يحول دون طموحاتكم. الطريق قد يكون صعبًا، لكنه ليس مستحيلاً".