السنة 20 العدد 191
2025/07/24

مزالق  في تقدير نزاهة البحث العلمي

Pitfalls of Research Integrity Measures

 

 

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي ، وتزاحمت الصحاف وكأنه يوم الحساب في خبر مفاده وقوع بعض الجامعات العربية المرموقة في  منطقة العلم الأحمر من مؤشر نزاهة البحث العلمي)  (RI2 : ومعنى ذلك الإنحدار الشديد لتلك الجامعات في نزاهة البحث العلمي ؛ ووقوعها في مخاطر سلامة نظام نزاهة البحث العلمي المتبع فيها. إن أول من نشر هذا الخبر هي قناة الجزيرة الفضائية، وتبع ذلك إعادة نشر الخبر ومن قبل العديد من الأكاديميين! 

كما إن مصدر تلك المعلومة هو الموقع الشخصي للدكتور لقمان ميهو (متخصص في المكتبات، أستاذ في الجامعة الأمريكية بيروت)، حيث أقترح مؤشرا يعتمد على معدل مؤشرين فرعين فقط (هما مخاطر الأبحاث المسحوبة و مخاطر المجلات المحذوفة من قواعد البيانات) لقياس نزاهة البحث العلمي، وقد نشر بحثا في Google يبين فكرة المؤشر ومنهجيته وأهميته!

 

من الصواب التنبيه ودق جرس الخطر لموضوع النزاهة الأكاديمية عموما ونزاهة البحث العلمي خصوصا ، لما لذلك من مخاطر على جملة التعليم العالي ومستقبله،  وفي العالم أتخذ الموضوع أبعاد خطيرة أيضا واستشهد بقول أحد أساتذة الطب في جامعة    Campbell  بقوله " في نطاق الطب الأكاديمي، لا يزال سوء السلوك البحثي والتحريف مستمرين دون حلول واضحة"  (Kearney et al., 2024).

ومن الضروري أن نفهم في البدء ما معنى نزاهة البحث العلمي (Research Integrity). وباختصار شديد تعرف بأنها بمجموعة من المبادئ لضمان موثوقية البحث وصرامته (Armond et al., 2024). كما إنها عبارة عن مجموعة من المعايير الأخلاقية التي تشكل الأساس لتنفيذ أنشطة البحث (Zhaksylyk et al., 2023).  وهكذا نلاحظ أن المبادئ والمعايير الأخلاقية المقصودة بالتعريفين تتضمن العديد من القيم منها: الصدق، الدقة،  الشفافية، التواصل، الرعاية والاحترام، والمساءلة.

وأخيرا نلاحظ ما يلي:

  • قد يعد نشر نتائج المؤشر أعلاه  ) (RI2 انتهاكا لخصوصية مؤسسات التعليم العالي.

  • أي مؤشر من الممكن ان يختزل كل المبادئ والمعايير الأخلاقية  الواردة أعلاه بمجرد ان البحث قد سحب من قبل مجلة ما؟

  • هل تأكد الباحث من مصداقية المجلة وكيف؟ (لكوني مقيم في العديد من المجلات العالمية  تجمعت لدي أمثلة واقعية وصادقة عن الكثير من المجلات المفهرسة والتي تعد معتبرة لكنها تحابي بعض الباحثين وتقف معهم، أو انها لأبسط خطا تتخذ أسوء القرارات بحق باحثين أخرين) .

  • يفترض من الباحث أولا التأكد من عملية التقييم المتبعة في المجلات ليس من خلال ما تعلنه في صفحاتها وهل هي تراعي فعلا مواصفات التقييم: الوضوح، والشمول، والالتزام بالتوقيت، والدقة، والإنصاف.

  • الكم الهائل من المجلات العلمية التي تتقاضى مبالغ طائلة للنشر السريع (أيام) بالتأكيد لن تظهر أسماء جامعات (التي تدفع اجور النشر بسخاء) أولئك الباحثين في نتائج المؤشر المقترح؟ 

  • ان البحث الذي أعده الباحث غير منشور لحد الآن ، فكيف يعتمد على نتائجه؟

  •  إن البيانات التي اعتمدت عليها عملية حساب المؤشر لم تدقق بمقاييس الصدق والدقة.

  • وضح الباحث شيئا مقتضبا عن حجم مجتمع الدراسة، لكن ما هو حجم العينة التي درست؟ وما مدى تمثيلها لمجتمع الدراسة؟

  • لقد بين الباحث إن أعلى المعدلات للمؤشر أعلاه قد تحققت في الرياضيات (9.3) وعلوم الكمبيوتر (7.6) وأدنى المعدلات في الفنون والعلوم الإنسانية (0.2)، وهذا يخالف المنطق لأن ابحاث المواضيع الإنسانية  وفق رأي متشابه جدا، ومكررة في كثير من الأحيان، ويدل على تباين واسع في مفهوم نزاهة البحث العلمي بين المجلات العلمية عن الإنسانية.

  • إن إيجاد معدل مؤشرين مختلفين كليا ليس له أي مبرر علمي. 

  • إن قراءة بحث د. لقمان  المنشور  في   Google بصورة شخصية تدل على نحوه اتجاه مؤسسات الترتيب العالمية والتي وجدت لأسباب تجارية وسياسية كما وضح العديد من رؤساء الجامعات في العالم أو المسؤولين ومنهم الباحثة الإيرلندية الرائدة Hazelkorn في ابحاثها المتعددة (منها Hazelkorn, 2018, 2017, 2015, 2009)، وإن منهجية تلك المؤسسات لا تعتمد على أي أسس أو قواعد علمية واضحة، وبياناتها تعاني من مشاكل إحصائية جوهرية لا يمكن تجاهلها 

( Sorz et al., 2015; Ferna´ndez-Cano et al., 2018  Hazelkorn, 2015; 2015;  Soh, 2014, 2013,) .

  • لا يمكن تقييم موضوع نزاهة البحث العلمي من خلال المؤشرين  المكونين للمؤشر  RI2 (إن تقييم نزاهة البحث  العلمي هي تقييم لجودة إجراءات البحث ، والتأكد من التزام الباحثين بالمبادئ الأخلاقية ومعايير الجودة. ويشمل ذلك تقييم عملية  تصميم البحث، وجمع البيانات، وتحليلها، ونشرها، بالإضافة إلى سلوك الباحث والبيئة المؤسسية).

ما العمل إذن؟ الموضوع بحاجة لدراسة عميقة والابتعاد عن كل ما يشوه النزاهة، وأولها ضرورة الالتزام الصارم بمعايير وأخلاقيات البحث العلمي ولا يكمن ان يتم ذلك دون تسنم الأمر  في الجامعات الناشئة أو الفتية قيادات علمية كفؤة ، متمرسة بالبحث العلمي، ولها من الخبرة والمعرفة العميقة بالتعليم العالي ومشهود لها بذلك.

تزدهر نزاهة البحث العلمي عندما تُنمّي معاهد البحث ثقافة الوعي بدلًا من اللجوء إلى أساليب التضليل. يتطلب ذلك مساحةً آمنةً ومحترمةً، حيث يُمكن للأفراد المشاركة بحرية في نقاشاتٍ حول قضايا النزاهة، والتعلم جماعيًا من أخطائهم.ومن الضروري الاعتراف بأن الأخطاء طبيعية ولابد من حصولها. ولكن الجانب الحاسم يكمن في الرغبة في التعلم منها.

ومن الإستراتيجيات المعروفة في تعزيز نزاهة البحث العلمي هو تدريب وتزويد الباحثين بالتثقيف والتدريب حول أخلاقيات البحث والسلوك المسؤول فيه، وإقرار وتطبيق سياسات وإجراءات واضحة وصارمة لتعزيز نزاهة البحث العلمي ومعالجة سوء السلوك، وإنشاء هيئات مستقلة للإشراف على نزاهة البحث والتحقيق في ادعاءات سوء السلوك، وضمان التزام قادة مؤسسات التعليم العالي بتعزيز إستراتيجيات نزاهة البحث العلمي واعتمادها.

ولغرض تعزيز الجهود المبذولة في تطوير  أفضل الممارسات في تحقيق نزاهة البحث  العلمي ينبغي أن التركيز على توصيتين أساسيتين قد وضعت من خلال مشاريع عدة لنعزيز النزاهة البحثية (انظر Zwart & Ter Meulen, 2019):

1. ينبغي أن يكون تعزيز نزاهة البحث عمليةً تصاعدية، مستندةً إلى الممارسة، ومن خلال تعزيز الممارسات المبنية على تحسين وتطوير النزاهة في بيئات مؤسسات البحث اليومية.

2. أولًا وقبل كل شيء، ينبغي الفهم من إن تعزيز نزاهة البحث العلمي، ليس من خلال  التركيز على الفرد (الباحث) واعتبارة القضية الخاصة بالمشكلة ومن خلال الإجراءات (أي المراقبة والتحري، والكشف، وايقاع المسؤولية، ومعاقبة الانحرافات الفردية)، بل من خلال المأسسة (أي تعزيز الرعاية والاهتمام بجودة منظومة البحث وبيئتها).

 


 

Armond A.C.V., Cobey K.D., Moher D. (2024). ‘Research Integrity definitions and challenges’. Journal of Clinical Epidemiology, Vol.171, l;171:111367. doi: 10.1016/j.jclinepi.2024.111367. Epub 2024 Apr 19. PMID: 38642717.

Ferna´ndez-Cano, A., Elvira Curiel-Marin,  Manuel, Torralbo-Rodrı´guez and Mo´ nica, Vallejo-Ruiz (2018). ‘Questioning the Shanghai Ranking methodology as a tool for the evaluation of universities: an integrative review’, Scientometrics, Vol. 116, Iss. 3, pp.2069-2083.

Hazelkorn, E. (2018) ‘Reshaping the world order of higher education: the role and impact of rankings on national and global systems’, Policy Reviews in HE, Vol. 2, Iss. 1, pp.4-31. 

Hazelkorn, E. & Andrew Gibson (2017) ‘Global science, national research, and the question of university ranking’, Palgrave Communications, Vol. 3, No.1, pp.1-11.

Hazelkorn, E. (2015). ‘Rankings and Quality Assurance: Do Rankings Measure Quality?’

 https://hepru.files.wordpress.com/2015/01/ciqg_policy_brief_vol-4.pdf

Hazelkorn, E. (2014). ‘Devil is in the detail of global university rankings?’

 http://www.irishtimes.com/news/education/devil-is-in-the-detail-of-global-university-rankings-1.1949588

Hazelkorn, E. (2009). ‘Impact of Global Rankings on Higher Education Research and the production of knowledge’. http://unesdoc.unesco.org/images/0018/001816/181653e.pdf

Kearney M, Downing M, Gignac EA. (2024). ‘Research integrity and academic medicine: the pressure to publish and research misconduct’. J Osteopath Med., Vol.124, No.5, pp.187-194. doi: 10.1515/jom-2023-0211. PMID: 38407191.

Soh, K. (2015) ‘Multicolinearity and indicator redundancy problem in world university rankings: An example using times higher education world university ranking 2013–2014 data’, Higher Education Quarterly, Vol. 69, No.2, pp.158-174.

Soh, K. (2014) ‘Problems of indicator weights and multicolinearity in world university rankings: comparisons of three systems’, Higher Education Review, Vol.46, No.2, pp.47-60.

Soh, K. (2013) ‘Nominal versus attained weights in Universitas 21 Ranking’, Studies in Higher Education, Vol.39, No.6, pp.944–951.

Zhaksylyk A, Zimba O, Yessirkepov M, Kocyigit BF. Research Integrity(2023). Where We Are and Where We Are Heading. J Korean Med Sci. 2023 Dec 4;38(47):e405. doi: 10.3346/jkms.2023.38.e405. PMID: 38050915; PMCID: PMC10695751.

Zwart H, Ter Meulen R. (2019). ’Addressing research integrity challenges: from penalising individual perpetrators to fostering research ecosystem quality care’. life sciences society and policy, Vol.10, No.15, pp.1-6. doi: 10.1186/s40504-019-0093-6. PMID: 31179512; PMCID: PMC6556950.




إرسال تعليق عن هذه المقالة