السنة 20 العدد 191
2025/07/24

اضطراب الهلع: حين يتحول الخوف إلى سجن داخلي

 

 

 

د.محفوظة بنت راشد المشيقرية

أستاذ مساعد بقسم التربية والدراسات الإنسانية

مديرة مركز الإرشاد الطلابي

 

في صباح يوم عادي، كانت أمل تجلس في سيارتها تنتظر دورها في طابور المدرسة لاصطحاب ابنها. فجأة، شعرت أمل بضيق حاد في التنفس، وخفقان قوي في القلب، ودوار غريب زعزع توازنها النفسي والجسدي. أمسكت هاتفها بسرعة واتصلت بالإسعاف، وهي تهمس في هلع: أشعر أنني أموت... قلبي سيتوقف.

في المستشفى، وبعد سلسلة من الفحوصات، قال الطبيب: كل نتائجك سليمة... ما تعانين منه يدعى نوبة هلع. لم تفهم أمل، وظنت أنها مصابة بمرض خطير يخفونه عنها. وهكذا بدأت رحلتها مع اضطراب لم يكن في الحسبان... اضطراب الهلع.

 

ما اضطراب الهلع؟

اضطراب الهلع (Panic Disorder) هو نوع من اضطرابات القلق، يتميز بنوبات متكررة ومفاجئة من الخوف الشديد الذي لا يتناسب مع الموقف، ويكون مصحوبًا بأعراض جسدية مثل: (تسارع ضربات القلب - التعرق – الارتجاف - الشعور بالاختناق أو الدوخة -  الخوف من فقدان السيطرة أو الموت المفاجئ).

وعلى عكس نوبات القلق العامة، فإن نوبة الهلع تحدث فجأة ودون مقدمات واضحة، وتستمر عادة من 10 إلى 20 دقيقة.

 

ما الذي يميز هذا الاضطراب؟

ليس فقط النوبة هي ما يرهق الشخص، بل الخوف من تكرارها، ما قد يدفعه إلى تجنب أماكن معينة أو مواقف اجتماعية، مما يحد من حريته اليومية. 

وفي حالة أمل، بدأت تتجنب الخروج بمفردها، وامتنعت عن قيادة السيارة، بل حتى حضور الاجتماعات العائلية. قد أصبحت سجينة مخاوفها.

 

أسباب اضطراب الهلع

لا يوجد سبب واحد واضح، لكن هناك عوامل عدة  قد تُسهم في ظهوره، مثل:

  • عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي للقلق أو الاكتئاب.

  •  الضغوط النفسية: فقدان شخص عزيز، ضغط دراسي أو مهني، مشكلات أسرية.

  • خلل في النواقل العصبية مثل السيروتونين والنورأدرينالين.

  • أنماط التفكير السلبية والميل إلى تضخيم المشاعر الجسدية.

 

العلاج: هل يمكن الخلاص من الهلع؟

الخبر السار هو أن اضطراب الهلع قابل للعلاج، بل ويمكن أن يتجاوزه الشخص تمامًا، إذا حصل على الدعم المناسب.

  1. العلاج النفسي: السلوكي المعرفي (CBT)، يساعد الفرد على التعرف إلى أفكاره السلبية وتحديها، ويعلمه تقنيات الاسترخاء والسيطرة على الأعراض الجسدية.

  2.  العلاج الدوائي: مثل مضادات الاكتئاب (SSRIs) أو مهدئات القلق لفترة قصيرة، تحت إشراف الطبيب النفسي.

  3. أسلوب الحياة: (ممارسة التأمل والتنفس العميق - الرياضة اليومية (خصوصًا المشي) - تقليل الكافيين والمنبهات -  النوم المنتظم).

 

أمل بعد عام...

بعد رحلة من العلاج النفسي والدعم الأسري، بدأت أمل تستعيد أنفاسها، حرفيًا ومعنويًا. لم تختفِ النوبات تمامًا، لكنها أصبحت أضعف، وأقل رعبًا. والأهم، أنها لم تعد تخاف من الخوف ذاته.


تقول أمل: كنت أظن أنني لن أعيش حياة طبيعية، لكنني اليوم أخرج، أضحك، وأقود سيارتي من جديد... تعلمت أن أطمئن نفسي بدلًا من انتظار من يُطمئنني.

 

في الختام... عزيزي القارئ

إن اضطراب الهلع ليس ضعفًا ولا جنونًا، بل هو استغاثة من الجسد والعقل معًا. والمصاب به لا يحتاج إلى الشفقة، بل إلى فهم، دعم، واحتواء. فربما يبدو هادئًا في مظهره، لكنه يصارع في داخله عاصفة لا تُرى.

وإذا كنت ممن عاشوا هذا الخوف، فتذكر، بأنك لست وحدك... وهناك طريق نحو التعافي، فقط لا تخف من طلب المساعدة. 



C:\Users\mahfouda\AppData\Local\Packages\Microsoft.Windows.Photos_8wekyb3d8bbwe\TempState\ShareServiceTempFolder\الباركود حجز الجلسات والاستجرام.jpeg

إرسال تعليق عن هذه المقالة