وتَتَتابع الإنجازات
سعود بن ناصر الصقري
في مسيرة الأمم الطامحة نحو المستقبل، تظل الجامعات منارات فكر وتجديد، وحاضنات معرفة وتحوّل، وعناوين إنجاز حقيقي تتجلى آثاره في أروقة التعليم، ومراكز البحث، وفضاءات الابتكار. وجامعة نزوى، منذ تأسيسها، لم تكن يومًا خارج هذا السياق؛ بل كانت دومًا في قلبه، ترسم طريقها بثقة، وتنسج فصول حضورها الأكاديمي والعلمي والإنساني في نسيج النهضة العُمانية المتجددة.
وها نحن اليوم نُطلّ على صفحة جديدة من دفتر الفخر والاعتزاز، نُسجّل فيها إنجازات نوعية تُضاف إلى سجل الجامعة الزاخر، لتؤكّد أن العطاء لا ينضب، وأن الرؤية التي تشكّلت في البدء لم تكن حلمًا عابرًا، بل مشروعًا وطنيًّا عميق الجذور، يستقي روحه من تطلعات الإنسان العماني، ويواكب في حركته الطموح الوطني الذي تجسده رؤية عُمان 2040.
❖ برامج أكاديمية متجددة... واستجابة لحاجات الوطن
في خضمّ التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع التعليم العالي، تواصل جامعة نزوى مواءمتها مع مستجدات العصر وسوق العمل؛ بتطوير خارطة برامجها الأكاديمية. وقد جاء الإعلان الأخير عن فتح باب القبول في مجموعة من برامج الدكتوراة والماجستير ليؤكد هذا التوجه الاستراتيجي المدروس. فقد أطلقت الجامعة برامج دكتوراة الفلسفة في الكيمياء، والقيادة التربوية، واللغة العربية وآدابها (بمساريها اللغوي والأدبي)، إلى جانب برنامج دكتوراة الفلسفة في دراسات الأعمال.
أما على مستوى الماجستير، فقد أعلنت الجامعة عن باقة برامج تنفيذية وتخصصية متقدمة، أبرزها: ماجستير إدارة الأعمال التنفيذي، وماجستير العلوم في الصيدلة الإكلينيكية والصيدلة الصناعية. وتفردت الجامعة بطرح برنامج مزدوج هو "دبلوم الدراسات العليا وماجستير العلوم في سلامة الغذاء"، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى مؤسسات التعليم العالي في دول الخليج؛ وذلك تلبيةً لحاجة وطنية ماسة في القطاعين الصحي والرقابي، وتعزيزًا لكفاءة منظومة الصحة العامة في سلطنة عمان.
هذه البرامج لا تمثّل توسعًا كمّيًا فحسب، بل هي تعبير نوعي عن استجابة الجامعة لديناميكيات التنمية، ودورها في إعداد الكفاءات الوطنية المؤهلة التي ستقود مجالات تخصصها بمعرفة رصينة ووعي بالمجتمع والواقع.
❖ دعم وزاري.. وبرامج صحية نوعية
في سياق التكامل بين مؤسسات التعليم العالي والجهات التنظيمية، حظيت جامعة نزوى باعتماد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار لثلاثة برامج أكاديمية جديدة، عكست تطور الجامعة النوعي، وحرصها على الإسهام في تعزيز التخصصات الصحية في السلطنة.
تضمّنت هذه البرامج: ماجستير العلوم في الممارسة المتقدمة للتمريض، الذي يُعد من البرامج الرائدة في إعداد ممارسين متخصصين في خمس مجالات صحية حيوية؛ هي: الرعاية الطارئة والحرجة، صحة المجتمع والشيخوخة، التوليد، صحة الطفل، وصحة البالغين. كذلك شمل الاعتماد "ماجستير العلوم الصحية" بتخصصين فرعيين في القيادة والإدارة الصحية، وتعليم المهن الصحية. وإضافةً إلى ذلك، رُخِّص لبرنامج بكالوريوس العلوم في العلاج التنفسي، وهو تخصص نوعي يعالج حاجة متزايدة في منظومة الرعاية الصحية.
إنّ هذا الاعتراف الرسمي ليس إلا تتويجًا للجهود المضنية التي تبذلها الجامعة في تطوير محتوى برامجها، وضمان جودتها الأكاديمية والمهنية، على وفق أعلى المعايير الوطنية والدولية.
❖ حضور دولي في مؤشرات التصنيف
وفي خطوة أخرى على طريق العالمية، حققت جامعة نزوى إنجازًا متميزًا ضمن تصنيف مؤسسة QS العالمية لعام 2026، بحلولها في الفئة (671–770) عالميًا، واحتلالها المرتبة الثانية محليًا. ويُعد هذا التقدم ثمرةً لاستراتيجية الجامعة الطموحة في تعزيز موقعها بين نظيراتها، ورفع جودة التعليم والبحث العلمي والتأثير المجتمعي.
هذا الإنجاز ليس معزولًا، بل يُعد امتدادًا لحضور الجامعة اللافت في تصنيف Nature Index لعام 2024، إذ تصدّرت جامعة نزوى قائمة المؤسسات الأكاديمية العمانية من حيث النشر العلمي في أرفع المجلات العلمية المحكمة، وسجلت أعلى معدل نمو في المؤشر بنسبة بلغت 38% مقارنة بالعام السابق. وقد بلغت قيمة التصنيف 4.10 في عام 2024، بعد أن كانت 2.56 في عام 2023، وهو ما يعكس بيئة أكاديمية داعمة ومُمكنة للبحث العلمي الحقيقي والمنتج.
تعكس هذه النتائج فاعلية المبادرات البحثية التي تتبناها الجامعة، من دعم الباحثين، إلى توسيع شراكاتها الدولية، وتهيئة البنية التحتية المناسبة؛ مما أسهم في الارتقاء بجودة النشر والتأثير العلمي.
❖ تعليم مستدام.. وتكريم وطني
وفي مجال الاستدامة، كانت لجامعة نزوى كلمةٌ وموقفٌ، تُوّج بفوزها بالجائزة البرونزية في أسبوع عُمان للاستدامة لعام 2025؛ تكريمًا لجهودها في تعزيز مفاهيم الاستدامة الأكاديمية والبحثية والمجتمعية. وقد جاء هذا التتويج ليعكس التزام الجامعة بنهج "التعليم الأخضر"، والابتكار البيئي، وربط مفاهيم التنمية المستدامة بِممارساتها المؤسسية، وترسيخ موقعها كونها جامعة مسؤولة بيئيًا واجتماعيًا.
الجامعة، في هذا السياق، لم تكتف بتبنّي مفاهيم الاستدامة، بل جسّدتها في مشاريع بحثية، ومبادرات توعوية، وتكامل وظيفي مع أهداف رؤية عمان 2040؛ مما جعلها نموذجًا ملهمًا لمؤسسات التعليم العالي في السلطنة.
❖ اكتشافات علمية… ونوافذ على الطبيعة
لم يكن الحضور البحثي لجامعة نزوى مقتصرًا على المؤشرات فحسب، بل انعكس في مكتسبات علمية نوعية. ففي إنجاز لافت، تمكن فريق بحثي من الجامعة من المشاركة في اكتشاف عائلة فطرية جديدة تضم جنسين وسبعة أنواع، تُظهر قدرة فريدة على التعايش في بيئة أعشاش النمل. وقد نُشر هذا الاكتشاف في مجلة Studies in Mycology ذات معامل التأثير العالي (14.1)، ما يبرهن على مستوى البحث المتقدم الذي بلغته الجامعة.
كذلك شارك فريق علمي من الجامعة في توثيق أول تسجيل علمي لثعبان الصلّ الأسود (Walterinnesia aegyptia) المعروف بـ"كوبرا الصحراء"، في محافظة ظفار، بالتعاون مع معهد الأحياء التطوري في برشلونة، وهو ما يعزز حضور السلطنة في ميدان التنوع الحيوي، ويعكس التعاون الدولي المثمر للجامعة.
❖ تجديد دولي للثقة.. وكرسي اليونسكو في حلّته الجديدة
في خطوة تعكس التقدير الدولي لدور الجامعة في صون المعارف التقليدية، جدّدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عقد كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج بجامعة نزوى مدة أربع سنوات؛ ليحمل في نسخته الجديدة اسمًا أكثر شمولًا يعكس التوسع في مجالات البحث والمعرفة، وهو: كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج وعلم المياه الاجتماعي.
ويأتي هذا التجديد ليؤكد المكانة العلمية التي تتبوؤها الجامعة في توثيق وإدارة المعارف التقليدية على نحو مستدام، ولا سيما ما يتصل بنظام الأفلاج العُماني؛ هذا النظام المائي العريق الذي يُعد نموذجًا فريدًا يجمع بين الأبعاد البيئية والاجتماعية والثقافية. كذلك يعكس استمرار الشراكة مع اليونسكو التزام الجامعة بالبحث الأصيل الذي يرتبط بالهوية، ويعالج قضايا محورية في التنمية المحلية والعالمية على حد سواء.
❖ تميّز طلابي عربي
وعلى مستوى التمكين الطلابي، حققت جامعة نزوى إنجازًا مهمًا بفوزها بالمركز الأول في جائزة التدريب الطلابي العربي لعام 2024م، التي يُشرف عليها المجلس العربي للتدريب والإبداع الطلابي، في ملتقى التبادل الطلابي الثلاثين الذي استضافته جامعة ليبيا المفتوحة. ويؤكد هذا الإنجاز حرص الجامعة لتمكين طلبتها من المهارات المهنية والعملية، وفتح الآفاق أمامهم للتفاعل مع مؤسسات وشركات إقليمية وعالمية.
❖ ختامًا...
تلك هي بعض من ملامح الصورة الأوسع... صورةُ جامعةٍ تنمو وتزدهر، لا تكتفي بأداء دورها التقليدي، بل تسعى لأن تكون شريكة في صناعة المستقبل. في جامعة نزوى، الإنجاز ليس غايةً بحد ذاته، بل دافعٌ نحو المزيد، ومرآةٌ لما يمكن أن تحققه بيئة تعليمية محفّزة، تعمل بروح الفريق، وتستند إلى رؤية واضحة، وقيم راسخة، وقيادة تؤمن بأن المعرفة هي السبيل الأسمى لبناء الأوطان.
"وتتتابع الإنجازات" ليس شعارًا نردّده؛ بل واقعٌ نكتبه كل يوم، بسواعد منتسبي الجامعة كافة: إدارةً، وأكاديميين، وطلبة، وشركاء. فشكرًا لكل من أسهم، ويُسهم، وسيُسهم في رسم هذا الطريق.
ولْنَمْضِ قُدمًا، بثقةٍ لا تعرف التراجع، وبإرادةٍ لا تُهزم، نحو مزيد من التميّز والتأثير والريادة.