مكتبات زرتها (6)
دار الكتب القطرية: منارة ثقافية لا تغيب عنها شمس المعرفة
زارها: محمد الإسماعيلي
كانت زيارتنا لدار الكتب القطرية في قلب العاصمة الفاتنة الدوحة فرصة ثمينة للاطلاع على ما تحتضنه من محيطات يمكن الغوص في أعماقها التي لا تنضب من سلسال المعرفة والعلم والثقافة المتدفق من تجارب قوية وتطلعات واسعة؛ بل لحظة للتجوّل في ردهات تزخر بالقواميس والمخطوطات والتراث العربي والغربي الثمين.
حاضنة التاريخ والحاضر
إنها حاضنة لذاكرة الوطن وهويته في قلب العاصمة القطرية؛ إذ منذ اللحظة الأولى لدخولنا دار الكتب التي تأسست عام 1962م، أحسسنا بدورها الريادي في توثيق التراث المادي والعناية بالأعمال الموسوعية والثقافية من نتاجات الفكر العربي والعالمي قديمها وحديثها؛ فدار الكتب القطرية تُعدُّ أول مكتبة وطنية في دولة قطر.
نلج صرحًا يمتاز بتصميم معماري فريد يعانق فكرة تمزج بين البساطة والوقار؛ لتمنح طالب العلم شعورا بالسكينة والتركيز؛ فقاعات المطالعة هادئة وأنيقة؛ بل ومنارة بإضاءة طبيعية مدروسة؛ وأرفف الكتب وأنظمة المكتبة مُعدّة بما قد يحتاج إليه الباحث من وسائل تقنية وحيوية تعينه على الدراسة وتجديد الشغف.
ثراء وتوسّع
لقد أثار إعجابي موسوعية الدار؛ حيث تتنوع اهتماماتها وتتنقل من مؤلفات عربية نادرة إلى كتب غربية مترجمة وغير مترجمة، ومن مخطوطات تراثية إسلامية وعربية، إلى أرشيف يُوثّق تاريخ الصحافة القطرية من الجرائد والمجلّات، ومن أقسام تعتني بميولات الأطفال والشباب إلى زوايا تحتفظ بفترات تطّوّر المجتمع القطري ... إنها لمسات تهدف إلى تعزيز حب القراءة وشغف المطالعة.
التكنولوجيا والمعرفة
لم يقتصر دور دار الكتب القطرية في توفير الكتب الورقية المطبوعة؛ ولكن أنشأت باحتراف تقني عالٍ مكتبة رقمية ضخمة، تتيح إمكانية الوصول إلى آلاف العناوين في كل زمان ومكان؛ فشعارها أن لا حدّ يقف لجعل القراءة والبحث العلمي متاحين للناس كافة؛ مدركة أنّ تطوير المجتمع يأتي من قدسية العلم وفتح أبوابه.
بل زدْ على ذلك أن آفاق دار الكتب تخطّى مجالات القراءة والإعارة؛ ليصل إلى تنظيم فعاليات ثقافية وأعمال علمية تنبض بواقع الحياة المعيش؛ إذ تستضيف في معارضها أدباء ومفكرين وصنّاع المعرفة وروّاد الثقافة والفكر؛ سواء أكانوا قادمين من داخل القطر القطري أم خارجه.
ختام الرحلة
كانت زيارتنا لدار الكتب القطرية تجربة لا تُنسى؛ تجربة أثبتت لنا أن الكتاب لا يزال حيًّا، وأن القراءة لا تزال قادرة على أن تبني إنسانًا، وتنهض بأمة. خرجنا منها محمّلين بكنوز فكرية، وبإيمان أعمق بأن المعرفة هي الطريق الأسمى للتقدّم.