السنة 20 العدد 190
2025/06/22

المشاركون في معرض "ثقافة المخطوطات من نزوى إلى غوتا: مقاربات بين الماضي والحاضر"

المخطوطات ذاكرة أمة وجسر حضاري بين الشرق والغرب

 

مسعود الحديدي: المخطوطات وعاء للمعرفة وحافظة لذاكرة الأمة

خير الدين عبدالحميد: معرض المخطوطات نافذة على ثراء تراثنا الإسلامي 

ندريكه كاريوس: أول فعالية لنا في العالم العربي ويُجسّد تعاونًا ثقافيًا عميقًا

خلفان الحجي: الحفاظ على المخطوطات ضرورة حضارية في مواجهة الزمن وعوامل الطبيعة

فراس كريمستي: العناية بالمخطوطات القديمة تتطلب خبرات دقيقة وتكنولوجيا متخصصة

سيف المحروقي: آلاف المخطوطات محفوظة في سلطنة عمان بجهود وطنية ومؤسسية

بدر العثماني: المخطوطات كانت وسيلة تواصل معرفي واجتماعي وثقافي بين العمانيين والعالم





أكد أكاديميون وخبراء وباحثون أن المخطوطات والوثائق القديمة تمثل ذاكرة الأمة الحية، وجسراً حضارياً يربط بين الماضي والحاضر، وشاهداً تاريخياً على تطور الفكر والمعرفة في المجتمعات الإسلامية.

 

وأوضح المشاركون في استطلاع أجرته "إشراقة" في معرض "ثقافة المخطوطات من نزوى إلى غوتا: مقاربات بين الماضي والحاضر" أن المعرض مثل منصة فريدة للتلاقي المعرفي بين الشرق والغرب، وأسهم في تعزيز الوعي بأهمية التراث الوثائقي، والحاجة المُلِحّة إلى صيانته ورقمنته وتيسير الوصول إليه، بما يخدم الأجيال القادمة ويكرّس حضور المخطوطات في فضاءات البحث العلمي الحديث. معتبرين أن تنظيم هذا المعرض هو انعكاس لرؤية سلطنة عمان في الحفاظ على الموروث الثقافي، ويعبّر عن التزام جامعة نزوى بدورها في خدمة الثقافة والهوية من طريق التعاون الأكاديمي العابر للحدود.

 

جاء ذلك على هامش فعاليات المؤتمر المصاحب للمعرض الذي افتتح صباح يوم الأربعاء 30 أبريل 2025 في رحاب جامعة نزوى، بتنظيم مشترك بين الجامعة ومكتبة غوتا البحثية التابعة لجامعة إيرفورت الألمانية، واستمر مدة خمسة أيام، بمشاركة واسعة من الأكاديميين والمهتمين بالمخطوطات من سلطنة عمان ودول عربية وأوروبية. وهو ما مثل فرصة مهمة لتعزيز التعاون الأكاديمي بين المؤسسات العلمية المهتمة بحفظ التراث المكتوب، إذ سبق الافتتاح انطلاق مجموعة من الندوات والحلقات النقاشية المتخصصة منذ 27 أبريل، ناقشت أحدث الممارسات في مجالات الرقمنة وصيانة المخطوطات والابتكار في الوصول إلى المحتوى المعرفي والتاريخي.

 

حدث مميز لفعالية نوعية

يقول الدكتور مسعود بن سعيد الحديدي، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة نزوى، إن استضافة الجامعة لهذا الحدث المتميز يمثل تجسيدًا حقيقيًا للعمق التاريخي والمعرفي الذي تحمله المخطوطات العربية، التي لم تكن يومًا مجرد وثائق محفوظة بل وعاء حيٌّ للمعرفة، وحافظة لذاكرة الأمة ومكوّن من مكوّنات الهوية الثقافية. 

 

وأكد الحديدي أن هذه الفعالية تعكس التزام جامعة نزوى بدورها الحيوي في تعزيز البحث العلمي ودعم الحوار الثقافي، والانفتاح على التجارب العلمية العالمية الرائدة، لاسيما بالتعاون مع مكتبة غوتا ومؤسسات ألمانية معنية بالتراث، وهو ما يعكس رؤية الجامعة في نشر المعرفة، ويجسّد أهمية تعزيز مكانة المخطوطات العربية ضمن فضاءات العلم والتكنولوجيا الحديثة، تماشيًا مع أهداف رؤية عمان 2040، التي وجّه بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه.

 

المعرض نافذة تُطل على ثراء التراث العربي الإسلامي

 الدكتور خير الدين محمد عبدالحميد، رئيس شعبة اللغة الألمانية بجامعة نزوى، والمشرف على تنظيم المعرض قال من جانبه: "اللجنة العلمية للمعرض حرصت منذ البداية على إجراء عملية انتقاء دقيقة للكنوز الخطية المعروضة، انطلاقًا من التعاون الوثيق والمستمر مع الزملاء في جامعة إرفورت ومكتبة غوتا". 

 

وأوضح أن المعرض يمثل نافذة تُطل على ثراء التراث العربي الإسلامي المحفوظ في جامعات ومراكز بحثية غربية، وهو ما يعكس القيمة المعرفية والفنية العالية لهذه المخطوطات.

 

وقال: "المعرض لم يكتفِ بعرض المخطوطات فقط، بل أثري بسلسلة من الورش المتخصصة والمحاضرات العلمية وحلقات النقاش التي ناقشت موضوعات تتعلق بأساليب الحفظ والعناية بالمخطوطات، وآليات البحث العلمي الحديث في هذا المجال. ومن أبرز هذه الفعاليات: محاضرة عن نشأة مجموعة المخطوطات الشرقية في مكتبة غوتا، وندوة حملت عنوان "المخطوطات في العصر الرقمي: من الرقمنة إلى الربط العالمي"، بالإضافة إلى عرض مشروع "قلموص" الذي يهدف إلى بناء قاعدة بيانات متكاملة للمخطوطات، ومشروع "بيبليوتيكا أرابيكا" الذي يعمل على تطوير فهارس موحدة للمخطوطات ضمن آليات الفهرسة الرقمية الحديثة.

 

وأشارت الدكتورة هندريكه كاريوس، نائبة مديرة مكتبة غوتا البحثية، ورئيسة قسم الاستخدام والمكتبة الرقمية، إلى أن المعرض يُعد أول معرض تنفذه المكتبة في دولة عربية، معبّرة عن اعتزازها بهذا التعاون مع جامعة نزوى، إذ إن المعرض يضم مجموعة من المخطوطات النادرة، ويجسّد رؤية مشتركة بين المؤسستين في الحفاظ على التراث وتقديمه في إطار علمي متطور. كذلك ثمّنت الجهود التي قامت بها اللجنة التحضيرية والفنية في الإعداد لهذا الحدث النوعي.

 

المخطوطات مكون ثقافي 

قال الدكتور خلفان الحجي، أكاديمي مشارك من جامعة السلطان قابوس، إن المخطوطات لا تمثل فقط وثائق قديمة بل هي مكنون ثقافي يحمل معارف وفنون الماضي. واعتبر أن الحفاظ عليها مسؤولية حضارية تفرضها تقلبات الزمن وتحديات البيئة. أيضًا شدد على أهمية تطوير أساليب الصيانة والمعالجة الوقائية لضمان بقاء هذه الكنوز للأجيال القادمة.

 

أما الدكتور فراس كريمستي، أمين الخزانة الشرقية في مكتبة غوتا، فقد تحدث عن التحديات الكبيرة التي تواجه المؤسسات المهتمة بالمخطوطات، مشيرًا إلى أن الاهتمام بالمخطوطات يزداد صعوبة كلما كانت أقدم، كالعناية بالرقوق القرآنية التي تعود إلى القرنين الثاني والثالث الهجريين، التي تحتاج إلى تقنيات خاصة للحفظ والمعالجة. وأضاف أن المؤسسات الرسمية في سلطنة عمان، وعلى رأسها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، تؤدي دورًا فاعلًا في هذا المجال، بالتعاون مع المكتبات الأهلية والمراكز البحثية.

 

وفي السياق نفسه، أكد الأستاذ سيف المحروقي، اختصاصي مخطوطات أول بالهيئة، أن هناك الآلاف من المخطوطات العمانية التي حُفظت وصُنفت، وهي متاحة للباحثين والجمهور. وأضاف أن السلطنة تسير بخطى واثقة في مجال حفظ الوثائق التراثية، بالتوازي مع مشاريع الرقمنة والتوثيق الإلكتروني.

 

حضور وتفاعل مميزان

من جهة أخرى، شهد المعرض حضورًا واضحًا للمشروعات الرقمية المتخصصة في فهرسة وتحقيق المخطوطات، ومن أبرزها مشروع "Qalamos" ومشروع "Bibliotheca Arabica"، اللذان ناقشت الفعالية أوجه التعاون معهما، بهدف الوصول إلى أفضل الوسائل العلمية الحديثة التي تمكّن الباحث من الوصول إلى المخطوطات بسهولة في أي مكان وزمان.

 

وأشار الأستاذ بدر العثماني إلى البعد التاريخي للمخطوطات في نقل الأخبار والمعارف، مستشهدًا بمراسلات الشيخ زاهر بن عبد الله العثماني، التي كانت تصل إليه من صحف مثل "الفلق" في زنجبار، وأخرى من مصر، إضافة إلى الفتاوى التي كان يتلقاها الشيخ محمد بن يوسف اطفيش من الحجاج العمانيين في السعودية؛ مما يدل على الدور المحوري للمخطوطات في توثيق الحياة اليومية والعلاقات الثقافية في تلك الفترات.

 

وأكد الدكتور فراس كريمستي، في تصريح آخر، أهمية تنظيم مثل هذه المؤتمرات والفعاليات المصاحبة، مع التركيز على الزيارات المتبادلة بين المؤسسات الأكاديمية لتعزيز تبادل الخبرات وصقل المهارات، وتوسيع قاعدة البيانات التي توثق المخطوطات الإسلامية والعمانية بشكل خاص.

 

وفي ختام أسبوع حافل بالجلسات الحوارية والورش العلمية، خلصت الفعالية إلى مجموعة من التوصيات المهمة، أبرزها: تعزيز التعاون العلمي بين جامعة نزوى ومكتبة غوتا، اقتراح دراسة الأدب العماني وتقديمه للباحثين الأجانب، إطلاق مجلة علمية محكمة تهتم بالمخطوطات والمدونة العمانية.

 

وأجمع عدد من المشاركين في المعرض والمؤتمر المصاحب له على أهمية هذه الفعالية؛ كونها تمثل منصة فكرية وثقافية تتيح تبادل الخبرات بين المتخصصين في مجالات التراث والمخطوطات من مختلف الدول. وأوضحوا أن مثل هذه اللقاءات لا تُسهم فقط في مناقشة التحديات التقنية والعلمية التي تواجه صيانة وفهرسة المخطوطات، بل تفتح المجال لتلاقح الأفكار وتعميق الحوار بين الثقافات المختلفة، وهو ما يعزز الفهم المشترك لقيمة التراث الإنساني.

إرسال تعليق عن هذه المقالة