الأزياء المعاصرة المستلهمة من التراث الثقافي
قوة دافعة للقطاع الثقافي والاقتصادي
كاتب المقال: أ. ماجدة الرحبية
محاضرة بجامعة نزوى- تصميم الأزياء والمنسوجات
كلية العلوم والآداب - قسم التربية والدراسات الإنسانية
الأزياء نتاج فكري صنع التراث وحفظه، فالأزياء تطورت بتطور الحضارات الإنسانية، أثرت وتأثرت بالقيم الثقافية والتقاليد والأعراف، وجسدت مظاهر الحياة والأسلوب الاجتماعي والتوجه الجمالي للمجتمع، الأزياء تحمل معنى أعمق من كونها مجرد كومة ملابس، فهي سرد لإرث حضاري وسرد لِقصص ثقافية، تعكس السياقات التاريخية والسياسية والاجتماعية للشعوب.
تمتاز الملابس في سلطنة عمان بأشكالها المختلفة وتنوعها الثري في الطراز والألوان والأقمشة، إذ تغطي النساء رؤوسهن بغطاء له أشكال مختلفة من محافظة إلى أخرى، ويلبس بعضهن غطاء على الوجه، إذ تلبس المرأة العمانية ثوبا يختلف طوله من منطقة إلى أخرى بأكمام طويلة يكون فوق السروال، بالإضافة إلى انتقائها لأقمشة بألوان محببة ومنتشرة كالأرجواني والبرتقالي والأخضر والأصفر.
ذكر Roche, Thomas, and Al Said (2012) سمات الأزياء العمانية التقليدية، منها: البساطة والذوق الرفيع والنقش المستمد من واقع بيئتها وعقيدتها وعلى وفق عادتها وتقاليدها العمانية الأصيلة وحفاظا على هذا الزي التقليدي المتوارث والمميز، خلدت المرأة العمانية هذا الذي المعبر عن هويتها بارتدائها له، افتخارا واعتزازا منها بزيها العماني المتألق، فقد حافظن العمانيات على مدى تاريخ طويل على طرز ملابسهن وأشكالها بشكل عام مع إدخال بعض الخامات الحديثة وتقنيات الخياطة والتطريز، بشكل عام لم تتعرض هذه الأزياء لكثير من التغيير والتبديل.
ومن الاتجاهات العالمية في صناعة الأزياء في عصر مُشبع بالمواد ومعايير استهلاكية جديدة، هو تحويل التراث إلى رأس مال ثقافي ورمزي، من طريق تصميم ملابس معاصرة استنادًا إلى الخصائص الثقافية التقليدية للشعوب؛ لتحسين النمو الاقتصادي وتعزيز الحفاظ على الثقافة، وترفع من الذوق الجمالي للمستهلك.
عند مراجعة الأدبيات المهتمة بدراسة الأزياء التقليدية المُستحدثة أو المستلهمة من التراث الثقافي، وجدنا أنها بين مؤيد ومعارض على التعديلات والتطورات التي أضافها المصممون والمصممات حديثًا ، بين التعديل الجميل الذي يزيد من رونق الزي، ويضيف لمسة حداثة مع المحافظة على أصالته وخصوصيته، وبين التعديل الخارج عن المعتاد الذي تتداخل فيه الأفكار التصميمية بأفكار ثقافات أخرى أو تصاميم عالمية لا تنتمي إلى عرف اجتماعي أو ثقافة محددة، التي من شأنها أن تشوه الإرث الحضاري.
يرى Al Busaidi ( 2016) أن هذه التعديلات قد تفقد الزي النسائي أصالته ولمسته التي يتميز بها، ويشاركه الرأي Al-Qatari (2008) إذ وصف بأنه عبث وتشويه للملابس الأصيلة، بينما يرى Hassaan 2021)) أن التغيير أصبح مطلبا في الوقت الحالي في ظل تسارع النمو الصناعي والتكنولوجي وتحولات الأزياء المتسارعة، التي أثرت هي الأخرى على سلوك المستهلك؛ مما دفع العلامات التجارية للتنافس في إنتاج الملابس وفقًا للاتجاهات الحديثة للموضة، دون الاكتراث لأصل اتجاه أي موضة لتزيد من نسبها الشرائية على الصعيد العالمي؛ مما دفع صناعة الأزياء عبور الحدود والاختلاط بالثقافات الأخرى مُحدثةً بذلك ثغرة أدت إلى تحريف الرموز الثقافية.
ذكر Chumo (2023) أن إساءة استخدام العناصر الثقافية على القطع الملبسية يؤدي إلى الإضرار بالقيم الثقافية الأصيلة وهو ما يُعرف بمفهوم "الاستيلاء الثقافي"Cultural Appropriation، في ظل ظروف التغيرات العالمية وتأثيرها على اتجاهات الموضة ويرى Lin, X (2024) ضرورة تحقيق التوازن بين الحماية الثقافية والتصميم لتجنب التشويه الثقافي، وهنا يقع على عاتق مصمم الأزياء التحدي كبير في استيعاب اتجاهات الموضة الحديثة مع الحفاظ على خصائص ثقافته المحلية في ظل التغيرات السريعة وتفضيلات المستهلك.
فالمستهلك اليوم تصله أحدث اتجاهات الموضة، كذلك له القدرة على المشاركة في تشكيل اتجاهات الموضة، فوسائل الإعلام الحديثة تشكل قوة دافعة، وتأثر في التوجه الجمالي، فقد غيرت من نمط الحياة للمجتمع، بتأثيرها في عادات التسوق والتواصل الاجتماعي؛ مما أدى إلى ظهور أنماط استهلاكية جديدة مثل التسوق الإلكتروني.
فأصبح من الضروري على مصمم الأزياء الأخذ بالاعتبار تغيرات الحياة الحالية ودراسة توجهات الناس في ظل الوفرة المادية والاجتماعية المستمرة، وإيجاد مسار مستقبلي لتصميم الأزياء يتوافق بشكل أكبر مع احتياجات الناس المعاصرة وتثري الحياة الروحية والمادية لهم، أيضًا يناشد Hui (2023) في دراسته إلى أهمية تكييف صناعة الأزياء مع التحولات العالمية الضخمة والحفاظ على القدرة التنافسية في مواجهة الأسواق المتغيرة من طريق دراسة تفضيلات الشراء للمستهلك.
ويعزز تصميم منتجات ثقافية للأزياء صناعة الأزياء نحو الابتكار والتطوير ويحقق الاستدامة والحماية الثقافية، وهذا ما أكدته دراسة كل من Lin, X (2024) و Eunju Ko (2013) إذ أشارت أيضًا إلى أن الجمع بين الحرف التقليدية والتكنولوجيا الحديثة يُحدث موجة ساخنة في اتجاهات الموضة، ويولد تأثيرا فنيا جديدا يجعل الملابس أكثر عصرية، ويضخ حيوية مستمرة في عالم الموضة، فهو يخلق اتجاها يرضي حنين الناس بتصاميم أزياء غنية ثقافيًا متماشية مع روح العصر.
ونظرًا لازدياد المخاوف من إفرازات ثقافة العولمة السلبية تجاه الموروث الثقافي العماني على مختلف الأصعدة وما أنتجته من تهديد وخطورته على مكونات التراث، ذكر Al-Riyami, Al-Saqri (2022) في دراسة لهم عن مظاهر حرص سلطنة عمان على البحث عن فرص استثمارية مستدامة لعناصر التراث الثقافي العماني بما يسهم في نمو الاقتصاد، إلى جانب المكاسب الوطنية المتعلقة بالهوية الوطنية وربط الأجيال بتاريخها وتعزيز الرابط الاجتماعي.
فعمان من الدول التي تملك رصيدًا كبيرًا ومتنوعًا من التراث الثقافي، المتتبع لخارطة التراث الثقافي العماني يجد نفسه أمام تنوع وثراء لا حدود له، يمكن توظيفه والاستفادة منه، أفادت Al-Sharif (2020) أن التراث أحد المداخل المهمة والزاخرة بالخبرات التي تحفز التفكير الإبداعي ومصدر مهم من مصادر الإلهام للمصمم.
وفي ضوء ذلك قدمت الطالبة نجمة الخروصية مشروع تخرجها في تخصص تصميم الأزياء، فكرة تصميم عباءات يمكن ارتداؤها للمناسبات مستلهمة من زخارف ونقوش الأبواب العمانية التراثية أبواب قلعة نزوى مُستفيدة من القيم الجمالية والفنية لهذه الزخارف، وتأكيدًا للقيم الثقافية، كذلك تحفظ الإرث الحضاري لهذه الزخارف. (الشكل 1)
وأشارت إلى أهمية البحث:
1. إحياء التراث العماني: بتوظيف الزخارف المستمدة من أبواب قلعة نزوى، إذ يعزز البحث الحماية على الهوية العمانية والتراث الثقافي؛ مما يعزز في إبراز جماليات الفنون العمانية التقليدية في مجالات معاصرة مثل الأزياء.
2. دمج الأصالة بالحداثة: يفتح البحث آفاقًا واسعة جديدة لدمج الفنون التراثية مع التصاميم العصرية؛ مما يساعد في خلق تصاميم مبتكرة تظهر توازنًا بين الأصالة والحداثة.
3. تعزيز صناعة الأزياء المحلية: يسهم في تعزيز قطاع الأزياء العمانية ويقدم المصممون المحليون فرصة لإثراء سوق الأزياء بإبداعات تظهر هوية ثقافية عميقة.
4. تسويق الزخارف العمانية عالميًا: بتطبيق هذه الزخارف في العباءات الراقية، إذ يمكن تعزيز وجود الزخارف العمانية على المستوى الدولي؛ مما يفتح الباب للترويج الثقافي والإبداعي.
5. إثراء مجال التصميم: يساعد البحث في تطوير الأساليب والتقنيات المستعملة في تصميم الأزياء، مثل: الرسم المباشر على القماش؛ مما يزيد من تعدد الأساليب الفنية في مجال التصميم
ولتحقيق نتائج البحث والدراسة قامت الطالبة بالخطوات الآتية في التطبيق العملي: الذهاب إلى القلعة وجمع أكبر قدر من الصور لتفاصيل الزخارف على الأبواب، ثم رسم مخططات سريعة لبعض الزخارف وكيف يتم توظيفها في العباءة، ثم تحديد التكوينات المناسبة وتوزيع الزخارف بشكل متناسق.
بعد ذلك، حُوّلت هذه الرسومات إلى تصاميم رقمية باستخدام برنامج Adobe Illustrator؛ مما ساعد في ضبط التفاصيل وتجربة المجموعات اللونية المناسبة، بعدها الانتقال إلى مرحلة التنفيذ بعد تحديد الأقمشة المناسبة وقص الأجزاء المختلفة بدقة وفقًا للمقاسات والتصميم المخطط للعبايات وخياطتها وتجهيز المساحات الخاصة برسم الزخارف مباشر على القماش باستخدام ألوان القماش الخاصة والفرش المناسبة، مع الحرص على إبراز التفاصيل الدقيقة للزخارف بطريقة فنية تتماشى مع الطابع التراثي والمعاصر للعبايات. (الشكل 2)
مثل هذه التصاميم المبتكرة والعصرية تحقق التوازن بين متطلبات الأناقة والوقار في المحافل الدولية والوطنية، وتكون ذات جاذبية، وراحة عملية، وتعبير واضح عن الهوية الثقافية العمانية، كذلك تُسهم مثل هذه الأبحاث في استكشاف العناصر الجمالية والثقافية في التراث العماني المميزة، التي يمكن تكييفها لِتصميم ملابس أنيقة ومناسبة للمرأة العمانية، والترويج للقيم الثقافية العمانية عالميًا بعيدًا عن التشويه وحفاظًا من الاستيلاء الثقافي.