جامعة نزوى تبتكر سكرًا سائلاً من بسور المبسلي وتحصد المركز الأول في المؤتمر الدولي السابع لسلامة وجودة الغذاء
الدكتور محمد الفارسي رئيس مختبر علوم وتقنيات الغذاء بجامعة نزوى:
مشروعنا يعيد اكتشاف التمور العُمانية ويحوّل الفائض إلى منتج صناعي منافس
المشروع يفتح آفاقًا استثمارية في قطاع التمور ويعزز الأمن الغذائي
الإنجاز يعكس توجه جامعة نزوى نحو البحث التطبيقي الذي يخدم الأمن الغذائي ويعزز من فرص الابتكار في القطاع الزراعي والصناعات الغذائية
في إنجاز يُضاف إلى سجل الابتكارات العلمية الوطنية، سجّلت جامعة نزوى حضورًا لافتًا على الساحة البحثية؛ بفوز فريقها البحثي بالمركز الأول في المؤتمر الدولي السابع لسلامة وجودة الغذاء، وهو أحد أبرز المؤتمرات المتخصصة في هذا المجال على مستوى السلطنة والمنطقة. وقد جاء هذا الإنجاز تتويجًا لبحث تطبيقي رائد يقوده الدكتور محمد بن علي الفارسي، رئيس مختبر علوم وتقنيات الغذاء بمركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بجامعة نزوى، تناول إمكانية إنتاج سكر سائل من تمور "بسور المبسلي" وهو صنف محلي يُنتج بكميات كبيرة لكنه غير مستغل تجاريًا بالشكل الأمثل.
هذا المشروع البحثي لم يكن مجرد تجربة علمية مخبرية، بل نموذج واعد لتحويل الفائض الزراعي إلى قيمة اقتصادية مضافة، عبر الاستفادة من المخزون غير المستخدم من التمور وتحويله إلى منتج غذائي عالي الجودة يمكن أن ينافس في الأسواق المحلية والدولية.
ويعكس هذا الإنجاز توجه جامعة نزوى نحو البحث التطبيقي الذي يخدم الأمن الغذائي ويعزز من فرص الابتكار في القطاع الزراعي والصناعات الغذائية.
في هذا الحوار الخاص لصحيفة "إشراقة"، يُحدّثنا الدكتور محمد الفارسي عن مراحل المشروع، وأهدافه، والتحديات التي واجهها الفريق البحثي، بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والبيئية المحتملة لهذا الابتكار الذي قد يشكّل نقلة نوعية في طريقة التعامل مع قطاع التمور في السلطنة.
*دكتور، نبارك لكم هذا الفوز. ونود منكم في البداية، الحديث عن أهمية حصولكم على هذا التتويج المشرف والنوعي في هذا المحفل الدولي؟
**الفوز بهذه الجائزة في مؤتمر دولي متخصص مثل مؤتمر عُمان الدولي لسلامة وجودة الغذاء يُعد إنجازًا نعتز به كثيرًا. إنه ثمرة عمل بحثي طويل استمر شهورا، وهو كذلك اعتراف من المجتمع العلمي بأهمية مشروعنا من حيث الابتكار والأثر المستقبلي.
*نحن في جامعة نزوى نحرص دائمًا على توجيه البحث العلمي نحو حلول عملية ومستدامة تخدم الوطن وتعزز الأمن الغذائي، وهذا المشروع يمثل نموذجًا واضحا لهذا التوجه.
**كيف بدأت فكرة المشروع البحث، ولماذا اختير بسور "المبسلي" تحديدًا؟
ولدت الفكرة بدعم مباشر من الأستاذ الدكتور أحمد الحراصي، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، إذ أشار إلى أن صنف "المبسلي" يُعد من أكثر الأصناف إنتاجًا في سلطنة عمان، ومع ذلك فإن استهلاكه كونه مائدة أو استخدامه في الصناعة لا يزال محدودًا.
في عام 2023 فقط، تم إنتاج حوالي 29 ألف طن من هذا الصنف. وبسبب قلة الاستخدام، تتراكم كميات كبيرة دون استفادة حقيقية. من هنا جاءت الفكرة: لماذا لا نحول هذا الفائض إلى منتج غذائي صناعي ذي قيمة عالية، وهكذا بدأنا في تطوير طريقة علمية لاستخلاص السكر السائل من البسور.
*ما الذي ميّز بحثكم عن غيره من الأبحاث المشاركة في المؤتمر؟
**بحثنا كان تطبيقياً بامتياز. ركّزنا على تحويل منتج زراعي محلي وفير إلى منتج غذائي يمكن تسويقه على نطاق واسع. الكثير من الدراسات المشاركة كانت تحليلية أو نظرية، لكن دراستنا كانت منهجية متكاملة تبدأ من المادة الخام وتنتهي بمنتج فعلي قابل للاستخدام في الصناعات الغذائية. أيضا استخدمنا تقنيات حديثة في المعالجة الإنزيمية والحامضية، ونجحنا في تحسين كفاءة الاستخلاص وجودة المنتج النهائي. ولا ننسَ الدراسة الاقتصادية التي أضفناها، التي بيّنت بشكل عملي الجدوى التجارية للتقنية.
*هل يمكن تقديم شرح مبسط عن خطوات إنتاج السكر السائل؟
**بالطبع. العملية تبدأ بفرز البسور وتنظيفها، ثم نخضعها لتحليل بيولوجي باستخدام إنزيمات أو أحماض لتحويل الكربوهيدرات المعقدة إلى سكريات بسيطة مثل الجلوكوز والفركتوز. بعدها نقوم بعملية فصل وتنقية لهذه السكريات، ثم نُركّزها حتى نحصل على سكر سائل بتركيز يقارب 70%، يشبه في قوامه العسل.
ما يميز هذه الطريقة أنها لا تعتمد على درجات حرارة عالية، مما يساعد في الحفاظ على القيم الغذائية ومضادات الأكسدة في المنتج.
*ما أهمية هذا الابتكار للصناعات الغذائية؟
**المنتج الناتج يمكن استخدامه في العديد من الصناعات مثل: المشروبات، العصائر، المخبوزات، الحلويات، وحتى في صناعات مثل الصلصات والشوكولاتة. هذا يفتح آفاقًا صناعية جديدة تعتمد على منتج محلي غير مستغل سابقًا. أضف إلى ذلك أن التوجه العالمي اليوم نحو البدائل الصحية للسكر يمنح هذا المنتج فرصة للمنافسة محليًا ودوليًا.
*هل ترون أن هذا السكر السائل قادر على منافسة السكريات التقليدية؟
**بالتأكيد. السكر المستخلص من البسور يحتوي على سكريات بسيطة بالإضافة إلى الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، وهي مكونات تفتقر إليها السكريات البيضاء المكررة. أيضا الدراسة أظهرت أن نسبة الاستخلاص من البسور تقارب 20%، وهي نسبة مشابهة لما تحققه مصانع السكر التقليدية، ما يجعله خيارًا صحيًا واقتصاديًا في آنٍ واحد.
*ما العائد الاقتصادي المتوقع للمزارعين والمستثمرين؟
**على وفق دراستنا، فإن طنًا واحدًا من البسور يمكن أن ينتج حوالي 200 كجم من السكر السائل، تباع بما يصل إلى 300 ريال عماني، وتكاليف الإنتاج تقارب 80 ريالًا؛ مما يعني عائدًا صافياً قدره 220 ريالًا. بينما البسور المجفف بالطريقة التقليدية يحقق عائدًا صافيًا لا يتجاوز 120 ريالًا. الفارق كبير، ويعني أن هذه التقنية قادرة على مضاعفة العوائد وفتح فرص جديدة للمزارعين والمستثمرين.
*ماذا عن الأثر البيئي المتوقع من هذا المشروع النوعي؟
**هذا المشروع يعالج مشكلة تراكم الفاقد الزراعي من البسور الذي غالبًا ما يُهدر أو يُستخدم بأساليب تقليدية غير مجدية. من طريق هذه التقنية، نُدخل هذا الفائض في سلسلة إنتاجية فعالة، تقلل الهدر، وتحد من التلوث، وتدعم أهداف الاستدامة البيئية والاستخدام الرشيد للموارد.
*هل واجهتم تحديات في أثناء تنفيذ البحث؟
**نعم، خصوصًا في مرحلة تحديد النسب الدقيقة للإنزيمات والأحماض للحصول على أفضل نتيجة من حيث التركيز والجودة. هذه المرحلة كانت دقيقة جدًا وتتطلب تجريبًا مستمرًا. لكن بفضل البيئة البحثية المتقدمة في مختبر علوم وتقنيات الغذاء، والدعم المستمر من إدارة الجامعة، تمكّنا من تجاوز تلك التحديات.
*هل يمكن تطبيق هذه التقنية على أصناف أخرى أو محاصيل غير تمرية؟
**يمكن توسيعها لأصناف تمور أخرى بشرط تقييم خصائصها أولاً، لكن فيما يخص المحاصيل غير التمرية فالتقنية الحالية قد لا تكون فعالة بسبب اختلاف التكوين الكيميائي. التركيز المستقبلي سيكون على قطاع التمور فقط، وهذا ما يعزز من قيمته الاقتصادية.
*كيف تقيّمون أداء جامعة نزوى في المؤتمر؟
**جامعة نزوى شاركت بورقتين علميتين، واحدة عن السكر السائل من البسور، والأخرى عن جودة زيت الزيتون العُماني. هذه المشاركة تؤكد التزام الجامعة بالبحث التطبيقي، والحضور الفاعل في الفعاليات العلمية المتخصصة، خاصة تلك التي تخدم الأولويات الوطنية.
*هل هناك خطوات مستقبلية لتوسيع نطاق التطبيق؟
** بالفعل، تلقينا اهتمامًا من شركة عُمانية متخصصة في السكر، وأبدت استعدادًا لتبني التقنية. ونحن نعمل حاليًا على خطة لتجريب التطبيق الصناعي لهذا الابتكار، وتحويله إلى منتج فعلي في السوق. هذا المشروع قد يكون بداية لشراكات أوسع بين الجامعة والقطاع الصناعي.