السنة 20 العدد 189
2025/05/01

سُمُوُّ الفِكْرِ: ركيزة أساس للقيادة الفعّالة

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية - أستاذ الإدارة التربوية المساعد في جامعة نزوى

 

في عالم مليء بالتحديات المتزايدة، تبرز أهمية سمو الفكر كونها صفة أساس يجب أن يتحلى بها القادة في جميع المستويات، من المناصب العليا إلى القيادات الوسطى، وكذلك الأكاديميونَ والمعلمونَ.

إن سمو الفكر لا يتعلق فقط بتراكم المعرفة أو المهارات الفنية، بل يتجاوز ذلك ليشمل القدرة على التفكير النقدي والإبداع، ويعكس مهارة التأثير الإيجابي في الآخرين. وفي ظل الأزمات والتغيرات السريعة، يصبح من الضروري أن يتحلى القائد برؤية شاملة، قادرة على تحفيز الأفراد وتوجيههم نحو تحقيق أهداف مشتركة. لذا، فإن سمو الفكر يمثل البوصلة التي تقودنا نحو بناء مجتمعات نابضة بالحياة، إذ يسهم كل فرد في خلق بيئة من التعاون والإلهام، ويعزز روح الابتكار والتغيير.

وتُعد صفة سمو الفكر لدى قادة الدول من العوامل الأساسية لتحقيق التقدم والازدهار، فالقادة الذين يمتلكون رؤية استراتيجية وقدرة على التفكير النقدي، يمكنهم توجيه مجتمعاتهم نحو مستقبل أفضل. فعلى سبيل المثال أظهر السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، رؤى طموحة في التنمية والإصلاح، مما أسهم في تحويل عُمان إلى دولة حديثة ومتقدمة.

واليوم، يستمر السلطان هيثم بن طارق، حفظه الله ورعاه، في هذا النهج، معززًا من قيم الابتكار والتسامح، ومؤكدًا أهمية التعليم والثقافة ركائز أساسية في بناء المجتمع. فسمو الفكر لا يقتصر فقط على الرؤية، بل يمتد إلى القدرة على تنفيذها بشكل فعّال؛ مما يضمن استدامة النمو والازدهار.

وعلى مستوى المؤسسات، تعد القيادات العليا ركيزة أساسا في تحقيق النجاح والتميز، فامتلاك هذه القيادات لصفة سمو الفكر يُعزز قدرتها على توجيه الفِرق نحو الابتكار والتطور المستدام؛ بتبني رؤى استراتيجية واضحة؛ لذا فإن دورهم لا يقتصر على اتخاذ القرارات فحسب، بل يعملون على خلق بيئة تحفز على الابتكار وتقدير الأفكار الجديدة، فهم يدركون أن النجاح لا يأتي من الفردية، بل بالتعاون والعمل الجماعي. لذا، فإن استثمار القيادات العليا في تطوير أفكار جديدة وتبني ثقافة تعلم مستمر يُعد ضرورة ملحة لضمان استدامة النجاح والنمو في عالم يتسم بالتغيّر السريع.

وتلعب القيادات الوسطى دورًا محوريًا في تنفيذ الرؤى الاستراتيجية للمؤسسات، إذ تكون حلقة الوصل بين الإدارة العليا والفِرق التنفيذية. إن سمو الفكر لدى هذه القيادات يمكن أن يعزز من قدرتها على تحفيز الأفراد وتحقيق التنسيق الفعّال بين مختلف الأقسام؛ وذلك بتشجيع الابتكار وتبني أساليب جديدة في العمل، تسهم في خلق بيئة عمل ديناميكية تدعم الأداء العالي. كما أن تفكيرهم النقدي وقدرتهم على حل المشكلات تُسهم في تعزيز ثقافة التعاون والتواصل الفعّال، فهم يمثلون نموذجًا يُحتذى به، إذ يُلهمون فِرقهم، مما يضمن تحقيق الأهداف المؤسسية بكفاءة وفاعلية.

ويعد الأكاديميون في مؤسسات التعليم سفراء للمعرفة ومُلهمون للأجيال القادمة، إذ يلعبون دورًا حيويًا في تعزيز سمو الفكر داخل الفصول الدراسية؛ لذا فإن امتلاكهم لرؤية استراتيجية وقدرة على التفكير النقدي، يمكّنهم من تقديم محتوى تعليمي مبتكر يتماشى مع احتياجات الطلبة والمجتمع.

وبتشجيع البحث والاستكشاف، يُسهم الأكاديميون في تنمية مهارات التفكير المستقل، والتعلم المستمر، والإبداع لدى الطلبة؛ مما يعزز من قدرتهم على مواجهة التحديات المستقبلية. ويسهم تفاعلهم المستمر مع المجتمع الأكاديمي في تطوير بيئة تعليمية محفزة تدعم التعلم مدى الحياة وتؤسس لثقافة من الحوار والتسامح.

إن سمو الفكر لا ينحصر فقط في تحسين الأداء والفعالية؛ بل رحلة عميقة نحو تغيير النفس البشرية. فلنتأمل في القادة الذين يرسخون قيم التعاطف والاحترام، كيف يبنون جسور الثقة ويخلقون بيئات عمل إيجابية تغمرها الطاقة والإلهام. فهؤلاء القادة لا يؤثرون فقط على نتائج العمل، بل يزرعون في نفوس أتباعهم شعورًا بالانتماء والتقدير؛ مما يحفزهم على تحقيق إمكاناتهم الكاملة، وينتج عن ذلك مجتمعًا يفيض بالتفاؤل، إذ يكون كل فرد فيه محفزًا على الإبداع والابتكار.

وعندما يتحلى القائد بسمو الفكر، فإنه لا يغير مجرى الأحداث فقط، بل يترك أثرًا عميقًا في القلوب والعقول؛ مما يجعلنا جميعًا نتطلع إلى مستقبل مشرق نحققه معًا، فلنتبنى هذه القيم ولنكن جميعًا قادة في مجالاتنا، نزرع بذور الإلهام ونحصد ثمار التغيير.

ختامًا، إن سمو الفكر هو دعوة للتأمل العميق وتسخير العقول نحو تحقيق الأهداف السامية. إنه ليس مجرد مفهوم، بل أسلوب حياة يتطلب من كل قائد، بغض النظر عن موقعه الوظيفي أو القيادي، السعي جاهدًا لتعزيز هذه الصفة في نفسه وفي الآخرين. فالمستقبل يتطلب قادة يحملون في قلوبهم عزمًا على الإبداع والتغيير، قادة يرسخون قيم التعاطف والاحترام، ويشكلون بيئات عمل ملهمة.

فلنتحد جميعًا في هذه المسيرة، ولنكن مصدر إلهام لبعضنا بعضا؛ لنخلق معًا عالمًا أفضل يجسد طموحاتنا ويعكس قيمنا الإنسانية، فالعمل نحو سمو الفكر هو الطريق نحو تحقيق مجتمع مزدهر، إذ يمكن لكل فرد أن يسهم في بناء مستقبل مشرق للجميع.

إرسال تعليق عن هذه المقالة