السنة 20 العدد 189
2025/05/01

مكتبات زرتها (5)

 

محمد الإسماعيلي

 

في قلب المدينة المنورة وتحديدًا بين ثنايا أروقة المسجد النبوي الشريف، تقف مكتبة المسجد النبوي شامخةً منارة للعلم، ومصدر إشعاع ثقافي وروحي لا يُضاهى، ومركزا علميا وثقافيا مهما لأعرق المكتبات الإسلامية في العالم.

بدأت زيارتي بخطوات هادئة داخل أروقة المسجد النبوي، متوجهًا نحو المكتبة الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من الحرم. منذ اللحظة الأولى، لفت انتباهي التصميم الهادئ والبسيط الذي ينسجم مع قدسية المكان وروحانيته. استقبلني الموظفون بحفاوة، وقد أدهشني التنظيم والدقة في استقبال الزائرين وتوجيههم.

 

كنوز معرفية

 

عند دخولي قاعة القراءة والمطالعة، شعرت بعظمة مكان طلب العلم؛ فالمكتبة تكتنز بين رفوفها ما يربو 180 ألف مؤلف وعنوان، وتحوي آلاف الكتب والمخطوطات النادرة في شتى العلوم الإسلامية بلغات متعددة؛ من عقيدة وتفسير وحديث وفقه وتاريخ. ولفتت نظري مخطوطة قديمة للقرآن الكريم كُتبت بخط اليد، تعود إلى قرون مضت، محفوظة بعناية فائقة.

 

وتفيض أرفف مكتبة المسجد النبوي حبًّا بعشق رسولنا الكريم قائد ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾؛ إذ تضمُّ كُتبا باللغة العربية وغير العربية في سيرته وشمائله وأخلاقه.

 

لقد شعرت في أثناء زيارتي لهذه المكتبة المباركة، وكأنني أتنقّل بين صفحات التاريخ وإلهام الحضارة الإسلامية العريقة بكنوزها المعرفية الثمينة؛ بل تميزت بتوفيرها لوسائل الاطّلاع والبحث الحديثة، مما يسهل على الباحثين الوصول إلى المعلومة والمعرفة بسرعة ويسر؛ إذ تقدم خدمات الرَقمنة والتقانة المعاصرة؛ لتتيح تصفح بعض الكتب والمخطوطات عبر شبكة المعلومات العالمية "الإنترنت".

 

لحظات تأمل

 

وقت جلوسي في إحدى الزوايا، شعرت بطمأنينة عميقة؛ فليس هناك أجمل من أن تجمع بين عبق المكان المقدس، ونور العلم والمعرفة؛ إنها مدينة أشرف الخلق رسول الله ﷺ. ولكن هذه اللحظات القليلة كانت كفيلة بأن تزرع شعورًا في داخلي بالامتنان العميق لهذا الإرث الحضاري الذي تركه لنا أئمة الأمة وعلماؤها.

ومكتبة المسجد النبوي ليست مجرد مكان لعرض الكتب وحفظها، بل قلب نابض بالعلم والإيمان، يربط الماضي بالحاضر والمستقبل؛ لذا خرجت منها -بعد رحلة في قلب المعرفة والإيمان- وأنا محمّل بمزيج من المشاعر؛ فخر بعظمة تراثنا الإسلامي، وشغف بمعرفة مزيد عنه، ودعاء أن يوفق الله القائمين على هذا الصرح العظيم.




إرسال تعليق عن هذه المقالة